رأي ومقالات

البيوت سكن وليست سجناً!

فكرة غريبة منتشرة بين العديد من أبناء المجتمع وبمراحل عمرية مختلفة، ألا وهي أن الحرية الإنسانية تعني أن يكون الفرد منا كالطائر الحر خلال يومه، بمعنى أنه يقضي ساعاته بعد الدوام أو الدراسة متنقلا في أرض الله الواسعة، أما بيته الخاص فهو للنوم وتغيير الملابس فقط.

قد تكون البيوت قصورا شاهقة البناء وقد تكون بيوتا جميلة وعلى أحدث طراز، صرف أهلها عليها كل مدخراتهم وتكبدوا قروضا مالية من البنوك، واستعانوا بخيرة المهندسين المعماريين والمصممين الداخليين، ولكنها أصبحت بيوتا باردة موحشة، فما هي إلا جدران وأثاث فقط يلفها السكون الغريب، كما تفتقد أصوات ساكنيها ودفء تجمعهم.

أصبح استقرار الفرد داخل منزله لساعات أمرا مستهجنا، وبالذات لدى الشباب، بل قد يوصف الشخص بأنه معقد يعيش داخل سجن اختاره بنفسه ويعاب عليه ذلك، فمن المفترض، حسب رأيهم، أن يكون كالمكوك الفضائي لا يعرف له مستقر، صحيح أن رتم الحياة المعاصرة سريع والمغريات كثيرة ومتنوعة، ولكن هل يعني ذلك أن يكون الإنسان مهاجرا داخل وطنه؟!

القاعدة في الحياة المعاصرة هي في كسب الآخرين، فتكون عضوا في جماعة أصدقاء، وقد تتسع الدائرة لتضم جماعات أخرى متخصصة في نشاط أو هواية معينة أو عمل تطوعي قد لا تحتاج اليه في هذه الفترة وقد لا يتناسب مع إمكاناتك وقدراتك الشخصية والمالية ولا مع مسؤولياتك العملية والاجتماعية في هذه المرحلة.وبحكم أن ميزان الحياة لا يمكن أن تصل به للتوازن في كل الجوانب وحتى يحقق الشخص المكسب الأهم حسب الرأي السائد وهو العلاقات والمعارف والأصدقاء، فيقدم التنازل من راحته الشخصية ومسؤولياته الأسرية، والبعض للأسف أصبح مشغولا طوال اليوم من العمل إلى المطعم ثم معرض ما أو محل ما ثم «كافيه» لشرب القهوة وتبادل الأحاديث، ثم جدول آخر حتى ساعة متأخرة من الليل، وقد يذهبون إلى الشاليه أو «الوفرة» ثم يعودون لحضور مناسبة ما، وهكذا.

الإنسان المعاصر وضع نفسه من دون قصد داخل عجلة سريعة، ففقد بوصلته الداخلية وأصبح غريبا عن ذاته يعتقد أنه واع بنفسه، ولكن الحقيقة أنه مشوش الذهن ومشتت.

والأغلب لا يعرفون ماذا يريدون بالضبط، فالعيون أصبحت لا تكتفي بما لديها، بل تتنقل لما في أيدي الآخرين ولنجاحاتهم المتنوعة، وتشتهي النفس ما لدى الغير حتى وإن كان لا يناسبهم، وقد ساهم الفضاء الواسع وكثرة التطبيقات والحياة المزيفة للمشاهير في أن يلهث البعض وراء السراب، وانتشر الحسد وصاحبه الاستكثار بأن يتمتع غيرهم بنعمة من الله، وبلغ بالبعض أنهم يتمنون زوال أي نعمة يعيشها غيرهم.

انكمشت صورة الحياة البسيطة والألفة العائلية وراحة النفس والرضا الداخلي، فلا نعجب اليوم من كثرة التشكي من ضيق الصدر والملل وانتشار الاكتئاب، حيث فقد الكثيرون سكينة النفس والرضا والقناعة.

إن الإنسان يحتاج إلى أن يستقر بهدوء في بيته ومع أسرته وأحبابه، وأن يوفر لنفسه مساحات من الراحة الجسدية والروحية والنفسية ليعود لذاته، ومعها سيشعر بالسكينة الداخلية التي ستمنحه القدرة على مواجهة الحياة وتحقيق التطور بخطوات ثابتة، فالموازنة في الحياة مهارة مهمة ومريحة.

حنان بدر الرومي – الأنباء الكويتية
647 3