«نمبر وان» في التفاهة!
عجيبة هذه النفس الإنسانية بعُقدها وتعقيداتها، وعجيب إلى أي حد توصل صاحبها لأجل الشهرة والمال. كتبتُ مرات عديدة عن هوس «التريند» وعن مدى التفاهة التي تغزو وسائل التواصل الاجتماعي، ولكني لحد الآن وأنا المشتغلة والمنشغلة بالإعلام لربع قرن مازلت أفاجأ وأندهش وأُصدم أحياناً بما يتسلسل تحت ناظري في «إنستغرام»، و«تيك توك» و«سناب» وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي.
الجميع من الأطفال الصغار إلى العجائز والشيوخ مروراً بالأزواج يجرب حظه عساه يصبح يوماً ما «تريند» فيشتهر في زمن قياسي مع ما تجرّه الشهرة من مال كثير. كل الوسائل مسموحة، لا مانع أخلاقياً ولا دينياً ولا قانونياً يردعهم، فنسمع عن الشاب الذي ادعى إصابته بالسرطان وكان يوثق يوميات مرضه استجلاباً للتعاطف والمساعدات من خلف التعاطف، ثم نكتشف بعد ذلك أن الأمر ليس سوى مسرحية من نفسٍ مريضة تستغل طيبة الناس وغفلتهم. ونتابع شابّاً يقوم بتحديات سخيفة كأن ينفّذ جميع ما يطلب منه فيرمي نفسه في مستوعب نفايات، أو يأكل أشياء مقززة فقط من أجل الشهرة. وقد شاعت قبل فترة هذه التحديات اللامنطقية كتحدي دلو الثلج وقد شارك فيه مشاهير وتحدي رقصة الكيكي بما فيها من خطورة أن يترجّل الشخص من سيارته وهي تسير ليؤدي رقصة بجنبها، وغير ذلك مما لا هدف تثقيفي ولا تعليمي ولا يحمل أي فائدة سوى أنه يجني مشاهدات أكثر تُدِرّ عليه ربحاً أكبر.
المؤلم أن مهووسي «التريند» يجدون من يستضيفهم في القنوات التلفزيونية ليستعرضوا إنجازاتهم، ولا أنسى أنني وأنا أقلّب قنوات التلفزيون تعثّرت بمذيع يستضيف مراهقاً إنجازه الأعظم في حياته أنه قال كلمة بذيئة في استجواب سريع في الشارع. والغريب أن المذيع يطلب منه شرح ملابسات قولها وكيف خطرت على ذهنه وكأنها إحدى حِكم جلال الدين الرومي، ما يفتح المجال لمشاهير الغفلة أن يصبحوا مؤثرين ويُطلب منهم رأيهم في الاحتباس الحراري والتغير المناخي والاستنساخ البشري. أيُّ قعر لم نصل إليه بعد ونحن نرى والدين يستغلان براءة طفلهما فيسجّلانه يقول كلاماً إباحيّاً أو طفلتهما وهي تتراقص بخلاعة فقط لأجل «اللايكات». اكتشفَ هؤلاء المهووسون سريعاً أن الاستفزاز والبذاءة والتفاهة هي أقصر الطرق للوصول إلى «التريند»، الجنة المرتقبة، فتجاوزوا لأجل ذلك كل الخطوط الحمر، خصوصاً أن القوانين متخلفة جداً عما يحدث في الـ«سوشيال ميديا»، فأصبح حلم كل أب أن يصبح ابنه «نمبر وان» في التفاهة.. أما آن لهذا الليل أن ينجلي؟!
د. بروين حبيب – صحيفة الإمارات اليوم