رأي ومقالات

عبد الله الأزرق يكتب: 📍كان طارت.. حرب فلول (1)

بعد مدة من قرارات البرهان في 25 أكتوبر 2021، تدهورت العلاقة بينه وحميدتي.. وسبَّب هذا ضيقاً لحميدتي، وأقنعه من حوله من قوم قحت أن مشكلته الحقيقية مع الإسلاميين وأنهم هم من يحرضون البرهان ضده؛ فطلب من قريبه حسبو محمد عبد الرحمن تنظيم لقاء له مع علي كرتي، الذي كان مختفياً عن الأنظار؛ وبذل حسبو جهوداً إلى أن تمكن من تنظيم ذلك اللقاء. وحضر دكتور الدرديري محمد أحمد ذلك اللقاء بجانب كرتي.

جاء حميدتي للقاء وهو يتميز غيظاً؛ وقال لكرتي: إنكم – كإسلاميين – تقفون ضدي وتحرضون البرهان علي، حتى أصبح لا يستجيب لطلبات الدعم السريع بالكيفية التي كان عليها.

أجابه كرتي بأنه لا يعرف البرهان وأنه لم يلتقه إلاّ مرة واحدة في حياته، حين كان كوزير للخارجية في زيارة رسمية للصين عام 2012. وكان لقاؤه به في حضور طاقم السفارة، والبرهان وقتها ملحق عسكري بالصين. وكان لقاءً عارضاً. ومن ثم فلا يستقيم أن أقدر على تحريضه ونحن لا نعرف بعضنا بقدر كاف.

وأضاف كرتي لحميدتي: ثم إنكم والبرهان أحلتم للتقاعد عدداً كبيراً من الضباط في الجيش بحجة إنهم إسلاميون، فكيف يكون لنا تأثير على البرهان؟ وموقفنا الثابت هو أن نجنب البلاد كل توتر من شأنه أن يهز الاستقرار؛ ولو كان موقفنا خلاف ذلك لقمنا بعمل مضاد بعد الانقلاب في 11 أبريل 2019. وكُنّا في ذلك الوقت قادرين.. لكننا ورغم كل ما أصابنا من استهداف كبير وشخصي ومباشر وبلا مبررات أو إعمال قانون، صبرنا حرصاً على استقرار السودان. لذا من غير المنطقي أن نسعى لتوتير العلاقة بينكم والبرهان، فإن عدم استقرار السودان واندلاع حرب فيه سيدمر ما بقي فيه ولن يبقي لأي جهة بلداً لتحكمه.. هذا كان موقفنا الذي لم نتزحزح منه.

قال له حميدتي: إنك تفعل ذلك عبر نسيبك الضابط بمكتب البرهان.
أجابه كرتي: إنني لا أعرف هذا الضابط ولم ألتقه قط. وقد بلغني وأنا مختفٍ أن ضابطاً خطب بنت أختي فقلت لهم: تحرّوا عن شخصيته، فإن وجدتموه صالحاً فزوِّجوه، لكنني لم أره حتى الآن. ثم إنني علمت أنه أُلحق بالملحقية العسكرية بأبي ظبي وأنه غير موجود بالسودان، فكيف يستقيم ما قلته مع المنطق؟

هنا قال كرتي لحميدتي: إننا نراك تتحرك مع البرهان وتتضاحكان وتتحدثان؛ فلم لم تجلسوا لمناقشة مشاكلكم؟
رد عليه حميدتي: نعم، إننا نلتقي لكننا لا نناقش الخلافات.
هنا اقترح عليه كرتي أن يُدخلا وسيطاً موثوقاً لكليهما.
وسأله حميدتي: مثل من؟

فقال له كرتي: أنا أعرف أن الفريق ميرغني إدريس صديق لك ومحل ثقتك وهو في نفس الوقت دفعة وصديق للبرهان؛ ومن ثم فهو محل ثقة الطرفين؛ فلماذا لا تجعلانه وسيطاً بينكما؟
ارتاح حميدتي لاقتراح كرتي بتوسيط الفريق ميرغني إدريس.

وبالفعل تمت تلك الوساطة، وارتاح حميدتي لنتائجها، بل إنه قال لوفد من الطرق الصوفية: إن العلاقة بينه والجيش عادت لمجاريها.

وبعد أمد قصير سافر حميدتي للجنينة بحجة حل المشكلات القبلية بالمنطقة. وبقي هناك قرابة شهرين.
وأثناء إقامته بالجنينة، التقاه وفد يمثل مبادرة مولانا الخليفة الطيب الجد.. وعرض عليه المبادرة الوفاقية فقَبِلَها ووافق عليها.

للأسف لم يكن حميدتي صادقاً مع صديقه الفريق ميرغني حين قال له: إنه لا عداء له مع الجيش بعد وساطته. فقد اتصل بالإمارات لتوالي إمداده.

وبالفعل تواصل إمداد الإمارات لَهُ بالصواريخ الحرارية والمسيرات ومركبات النمر العسكرية، بل حتى الوجبات الغذائية الجاهزة، وتواصل تجسسه على قيادات المجلس العسكري عبر منظومة بيقاسوس (الإسرائيلية التصنيع) التي أمدته بها الإمارات؛ وتعمل من مركزها في مبنى المستشارية الأمنية الفخم الذي كان قد بناه صلاح قوش.
وتواصل الإمداد بكل أنواع السلاح، وواصل هو تجنيده لعشرات الألوف.
وواصل شراء ذمم صحفيين وإعلاميين ورجال طرق صوفية ونظّار قبائل.
وفي الجنينة التقى بنظّار وناشطين في حركات مختلفة، وفاعلين سياسيين وحرضهم جميعهم على الاستعداد للحرب القادمة مع الجلابة. وما كانت تصريحات محمد عيسى عليو (الرزيقي)؛ ولعلها كانت في أكتوبر 2022؛ بالاستعداد لاستقبال نازحين يأتون لدارفور من فراغ!!!

وكذلك كذب حميدتي على وفد مبادرة الخليفة الطيب الجد، حين صرّح لهم بقبولها.
فعل كل تلك الاشياء لأنه كان مهووساً بأنه مستهدف ويعتقد أنه من الضروري أن يستعد للأسوأ.
وكان شقيقه عبد الرحيم أشد تطرفاً في هذا، فظل يحرضه، ويوغر صدره، ويثير مزيداً من الهواجس لديه ضد الجيش وضد الإسلاميين.

لكن عودة العلاقات العادية بين البرهان وحميدتي لم يُعجب قحت، ولم يُعجب ڤولكر بيرتس.
فسافر ڤولكر بيرتس للجنينة وأقنع حميدتي أن البرهان والإسلاميين يتآمرون عليه، وأنه من الأفضل له أن يواجههم.
📍السفير عبد الله الأزرق
———————————
17 مارس 2024