رشان أوشي: ماذا لو أكل “كباشي” التفاحة؟
تكمن المشكلة المزمنة التي يعاني منها السودان في غياب المحاسبة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بقضايا كبرى في مستوى دخول حرب مدمرة، وغض الطرف عن تمدد جيش مواز يمول أجنبياً، من يحاسب صاحب القرار الخطير، بل الأخطر في تاريخ السودان منذ قيامه، والمتمثل في التهاون مع كثير اخطاء ، حتى إدخال البلد في حرب تبدو نتائجها معروفة سلفاً، في هذا العالم المتوحش الذي ليس فيه من يردع مرتكبي الانتهاكات والتجاوزات لأنهم يقاتلون بالوكالة عن سادة العالم.
ضج الرأي العام خلال الأيام السابقة بآراء حول مواقف عضو مجلس السيادة الانتقالي، ونائب القائد العام للجيش “شمس الدين كباشي”، كانت حالة هياج مستعرة، رأيت من الحكمة انتظارها حتى تخمد، حتى ادلو بدلوي حول موضوع الجدل.
استندت تلك النقاشات بين الكتاب وصناع الرأي العام، على رحلة المنامة، هذه الهجمات المتبادلة بدأت منذ وقت طويل، حتى سابق على تلك الرحلة، وما تلاها من مواقف.
هناك حرب إعلامية جارية منذ وقت طويل؛ والهجمة الأخيرة كانت من مساراتها بعد أن ترددت أصداء لقاء المنامة، حينها وجد تيار داخل الدولة ضالته، وقصد ضرب شعبية الجنرال “كباشي”، وخاصة داخل المؤسسة العسكرية، وفجأة انتقل ذلك التيار عبر الاصطياد في المياه العكرة إلى معسكر “المقاومة والممانعة” بعد أن كان راعياً لمعسكر “المهادنة”، أنه مستعد لإحباط تصاعد شعبية “كباشي” مهما كان الثمن غالياً.
لسنا في مقام الدفاع عن الجنرال فهو لا يحتاج لذلك، وإنما توضيح للأمور التي اختلطت في أذهان صناع الرأي من كبار الكتاب.
سنسرد مواقف الرجل عبر روزنامة قصيرة…
يوليو/ ٢٠٢٣ م، “لا بديل للقوات المسلحة إلا القوات المسلحة” من جنوب كردفان، حسم الجنرال “كباشي” الجدل حول الاتفاق الإطاري الذي كان يدور داخل قيادة الدولة ولكنه غير معلن، بينما طفا إلى السطح الصراع العسكري_المليشي_المدني، وأبلغ “كباشي” الجميع أن أي محاولة لابتلاع الجيش وإغراقه وبالمليشيات دون إجراءات الدمج والتسريح المتعارف عليها دولياً هي محاولة فاشلة.
يوم ١٣/ مايو/ ٢٠٢١ م، وقتها كانت ” الفشقة ” مشتعلة، قال الجنرال “كباشي” من الخطوط الأمامية: “تم رفض المبادرة الإماراتية في زيارة البرهان إلى الإمارات وإن كانت الإمارات تريد حل النزاع مع إثيوبيا فعليها أن تنصح الإثيوبيين بوضع علامات الحدود.
ردا على محاولة” بن زايد “استغلال الوضع عندما طرحت” الإمارات “مبادرة للاستثمار في أراضي” الفشقة “وإدارتها، نصت على:” رغبة الإمارات في انسحاب الجيش السوداني إلى وضع ما قبل نوفمبر/ ٢٠٢٠ م، وتقسيم الفشقة بنسبة 40 % للسودان و40 % للإمارات و20 % للمزارعين الإثيوبيين تحت إدارة مشروع استثماري تقيمه الإمارات في المنطقة الحدودية_. 10/ 05/ 2021.
يوم ١٣/ ديسمبر/ ٢٠٢٢ م، تم توقيع الاتفاق المبدئي بين حكومة السودان وشركة مواني “أبو ظبي” لإنشاء ميناء ابوعمامة، ناهض الجنرال “كباشي” المشروع الاستعماري، وتصدى لمحاولة الإمارات وأد ميناء “بورتسودان” الذي رفض السودانيون استثمارها فيه، بإنشاء ميناء مواز بمواصفات متطورة، حتى يخرج الميناء الوطني عن الخدمة ويصبح غير مرغوب بالمقارنة مع إمكانيات ميناء “ابوعمامة”.
نعود إلى أزمة “المنامة”، إن كان ” الكباشي ” قد التقى قادة الدعم السريع بالمنامة، بلا شك لم يخرج من السودان متخفياً دون علم رئيس مجلس السيادة وبقية الأعضاء، إذا تلك الخطوة متفق عليها من الجميع، وباركها القائد العام نفسه.
حرب السودان جرت كما جرت، واتسعت كما اتسعت، ولكن فصلاً للمواجهة المباشرة بات ينتظر اللحظة، و «اللقطة» الكبرى، لكي تنطلق مسيرة الطموحات الشخصية والتنافس على الجمهور.
لن تتوقف الحملة الموجهة ضد الجنرال “كباشي”، وكل ما حدث مسبقاً كان “بروفة”، لأن من يضع خط النهاية في التصعيد لن يتوقف، حتى ينطفئ بريق ” الكباشي “، لأن ذلك البريق يجعله في الظلام دوماً.
لا بد وأنه الآن يشعر بالسرور لأنه تسامح مع تفريغ طاقة غضب شعبية كبيرة لعل الأزمة كلها تنفرج بعد ذلك.
محبتي واحترامي
رشان أوشي