رأي ومقالات

ابحث عن وزارة الخارجية السودانية!


هل تتذكرون بيان وزارة الخارجية السودانية “الإنشائي” الغزير حول هجوم الإعلام الوطني الأخير على موقف الحكومة السعودية من قوات التمرد بأرضها، وحادثة مقطع الفيديو الذي يتوعد فيه “متمرد” الرئيس “البرهان” بأنهم قادمون إلى “بورتسودان” واحتلالها، بعد أن تلقوا تدريباً خاصاً على الطيران الحربي والمدفعية النوعية؟ قال البيان ما يعني أن الجريمة هي من ارتكبها كتاب سودانيين، وان الهجوم على موقف السعودية، هو من تدبير صحافيين يسيئون للملكة ومحمد بن سلمان.

مع احترامي الكبير للدبلوماسي الذي رفض التصريح لمنصات إعلامية سعودية، أوجه سؤالي لوزير الخارجية الجديد (لا أعرف اسمه ولا تاريخه) بحثت عن سيرة ذاتية تعود له على محرك البحث (قوقل) ولم أجد ضالتي، حسناً، ماذا عن ذلك الدبلوماسي المحترم الذي رفض التصريح لمنصات سعودية؟ وتحديداً قناتي “العربية والحدث”،؟، هل يعبر عن موقفه الشخصي أم الاعتباري؟.

وأنا أطالع بيان وزارة الخارجية الذي يضاف إلى قائمة الخزي السودانية، قلت لنفسي، لا عليك، “حادثت نفسي، لأني الكاتبة السودانية الوحيدة التي كتبت حول حادثة مقطع الفيديو بنجران مقالاً مدعوماً بالمعلومات الدقيقة والحقيقية”، قلت لا عليك يبدو أن هذا الوزير ما هو إلا واجهة مأمورة.

من المأثورات السياسية إبان الحرب الباردة قولاً لا أذكر صاحبه، خلاصته، إذا أردت أن تدمر بلداً خصماً لا تطلق عليه رصاصة، بل “ضع الرجل غير المناسب على منصب يحتاج رجلاً مناسباً” ، عشت الحياة أختبر عبقرية هذا القول، خصوصاً خلال الحرب في السودان، وجدت أن أجهزة المخابرات التي ابتكرت هذا النهج إبان الحرب الباردة لم تهدف إلى اغتيال نظام سياسي فقط، بل إلى وأد القيم الوطنية وتشويه مفهوم السيادة لدى الشعوب.

صراحة أدهشني جداً بيان وزارة الخارجية السودانية تعليقاً على قضية أثارت الرأي العام، كان يحمل بين ثناياه رؤوس مطئطئة، ورجال تعودوا الانحاء من أجل البقاء اطول وقت ممكن بالوظيفة العامة، بينما شباب السودان قدموا أرواحهم فداء للقضية وحملوا السلاح من أجل وقف الحرب المدمرة بانتصار الدولة وشرعيتها، وهناك من هم خارج هذه المعركة مترامية الأطراف، لم تتلطخ ملابسهم الأنيقة بالدم، ويقضون أوقاتهم على المكاتب الفخمة، يصفون المدافعين عن سيادة بلادهم بالمغرضين، وربما استحى الوزير من وصفهم بعديمي الولاء للمملكة و الكفيل السعودي.

كل هذا وغيره مما نشهده يومياً من مسالك مخزية، اتهامات و مزايدات، وعليه، فإن صوتا كصوت وزارة الخارجية المتخاذل من الدفاع عن شرعية الدولة ومحاصرة التمرد أينما كان، وفي هذه اللحظة بالذات، ينبغي أن يعنينا كسودانيين، لا بوصفه ينتقد الإعلام الوطني الذي دافع عن السيادة الوطنية وحسب، بل بوصفه موقفاً ضد القيم الوطنية و إعلاء مبدأ السيادة، ويعبر عما نعاني منه في هذه المرحلة الحرجة من عمر السودان وهو: الطعن الأخلاقي في موقف ما بغية تجنب النقاش الجوهري حول الأمور الخلافية.

في تقديري بيان وزارة الخارجية المضاف إلى قائمة الخزي، يرتقي إلى درجة الإسفاف لانه يهدف إلى نبذ المنتقدين وعزلهم وخنق إمكانية أي نقد حقيقي، عبر جعل الرأي محفوفاً بالمخاطر السياسية.

الرسالة الواضحة لموقف الخارجية السودانية، هي أن كلفة الصمت والجبن والاكتفاء بالخيارات الملائمة والممالئة، أقل من كلفة المجاهرة الشجاعة بتحدي الآلة القمعية الإقليمية وفضح الظلم والإخفاق السياسي معاً.
محبتي واحترامي

رشان أوشي