رأي ومقالات

حسبو البيلي يكتب: المال السياسي

قبل سقوط البشير كانت الأيدلوجيا حامية ومانعة من الإختراق داخل التنظيمات السياسية ، كانت الأحزاب محصنة إلى حد كبير ومتماسكة على الأقل في تصورها عن المؤتمر الوطني ومواقفها تجاهه ، بنية ذلك التماسك كانت قائمة على كونها أحزاب أزمة تتحرك في خطاب احتجاجي ثوري رافض للنظام وسياساته ، هذا الخطاب الاحتجاجي كان قادراً على توحيد قطاعات كبيرة من الشباب ومنسوبي الأحزاب نحو غايات ومطالب حقيقية ..

في ذلك الوقت لم يكن المال الخارجي لاعباً أساسياً في العمل السياسي إلا في إطار التمويل البرامجي لأنشطة الواجهات ، ربما بسبب قدرة النظام وقتها على تجفيف مصادر تمويل الأحزاب والمنظمات والتضيق عليها من خلال قوانين الأحزاب والمنظمات الطوعية ، جاءت الثورة ودخل المال السياسي والأجندة الخارجية وشكلت عموداً تتكئ عليه الأحزاب في خطابها السياسي بل وتوظفه لفرض أجندتها المصنوعة في الخارج ، فشرعنت الأحزاب التعامل مع الخارج وأكل أمواله وطرق أبواب سفاراته ..

غابت الأيدلوجيا وصارت الأحزاب شركات ربحية يهرول قادتها نحو الخارج وغاية منسوبيها الصعود والترقي نحو القيادة من أجل إيجاد مكانة تقربهم للكفلاء والمموليين الخارجيين ، كشفت هذه الفترة عن قابلية الفاعلين السياسين للخيانة والعمالة الإرتزاق ، ظهرت هذه القابلية في قدرة الدعم السريع على شراء ذمم كثير من المثقفين و القيادات السياسية والإعلامية والعسكرية وتوظيفهم لخدمه مشروعه ، لم يجد حميدتي والقوى الخارجية أي صعوبة في إحتواء تلك المجموعات والتحكم في مواقفها وتصريحاتها ..

جاءت الحرب وقُبرت الايدلوجيا وصعدت القبيلة ، وتبقت شبكة التحالفات القديمة مع الدعم السريع محافظة على إمتيازاتها ووجودها في المناصب القيادية في الدولة ومستمرة في تعاونها مع الدعم السريع ، فالمنتمين لمكونات الدعم السريع من تلك المجموعات أعلنوا ولاءهم لحميدتي بدوافع قبلية اما المنتفعين والخاضعين من القوى السياسية فواصلوا خدمتهم لحميدتي بدوافع شخصية على حساب مصالح مجتمعاتهم ، فغضوا الطرف عن إنتهاكات الدعم السريع وتنكروا لمواقفهم السابقة خوفا من فقدان الدعم المالي والخارجي ..

لو كان هناك مؤثر في السنين التي تلت سقوط البشير فهو المال السياسي وقدرته على شراء مواقف أحزاب سياسية عمرها بعمر قادة الدعم السريع ، بالإضافة لقابلية السياسي السوداني للإرتزاق بأسهل الطرق فضلاً عن هشاشة المثقفين السودانين وخضوعهم للإبتزاز بسبب وجود طرف خارجي قادر على شراء صمتهم ويملك وصاية على مواقفهم وتوجهاتهم ، لا أقول أنه لايوجد وطنيين ولكن قليلون هم من تأمنهم على هذه البلاد ، قليلون من يعملوا لصالح مواطنيهم وهم بالطبع أولئك المرابطين في جبهات القتال والمدافعين عن بلادهم بتجرد وصدق وإيمان ، اما السياسيين من طينة الحرية والتغيير فهم كما قال لينين أكثر الناس قدرة على الخيانة لأنهم أكثر الناس قدرة على تبريرها ..

حسبو البيلي