من لا يقرأ التاريخ لن يفهم الحاضر.. في سيرة أبولكيلك
قبل ثلاثمائة عام بالضبط من الآن 1724 م تولي بادي أبو شلوخ الحكم كآخر الملوك الأقوياء في دولة الفونج ، حيث استطاع توحيد الدولة السنارية بعدما استعاد السيطرة علي مملكة المسبعات في كردفان وتغلب علي ملك الحبشة أياسوس ، وأخمد التمردات الداخلية ضد حكمه وامتدت فترة حكمه ل 38 عاما ..
نتيجة لحملاته التوسعية شرقا وغربا ، وإخماد التمردات الداخلية أصيب الجيش النظامي في الدولة بالإرهاق ، وتمت هزيمته أكثر من مرة في كردفان ، كان من بين صفوف الجيش شاب من الهمج إسمه محمد أبولكيلك عرف إبان إنتصار الحبشة بشجاعته الفائقة ، إستطاع ( لملمة ) الجيش المهزوم والمبعثر في كردفان والعودة به إلي سنار ..
لما رأي بادي أبوشلوخ أن قادة جيشه قد سئموا من الحروب المتواصلة أنس لشجاعة أبولكيلك ، وحداثة سنه ، ( وتحلله من تراتبية وبروتوكولات الجيش النظامي ) فكلفه بقيادة بتأسيس فرقة من عشيرته الهمج لإخضاع مملكة المسبعات في كردفان ..
هناك ظهرت مقدراته القتالية ، فهزم المسبعات واستعاد كردفان لصالح الفونج ، يقول سبولدنق في كتابه عصر البطولة في سنار ( كان أبولكيلك شخصية ملحمية ) ويصف مشهد إنتصاره في كردفان ( … واشتهر فضله علي سائر الحراب ، وانطبعت عليه قلوب العساكر وألفته النفوس ، وخضعت له كل الرؤوس )
إستقر أبو لكيلك في كردفان حارسا لسلطان الفونج هناك وكان لا يأتي للعاصمة سنار إلا نادرا …
في هذه الأثناء ولما طال ببادي أبوشلوخ المكوث في الحكم نقم عليه خاصته ومقربوه من البلاط ، فأسروا في أنفسهم عزله ، وتشاوروا فيما بينهم ، ويصف لنا سبولدنق رأيهم بعد المشاورات ( من منظور رجال الطبقة العليا في المجتمع أن الشاب أبولكيلك بدا لهم أداة مطاوعة ، ففي جانب كانت هناك شجاعته وكفاءته وشهرته الأسطورية وسط الجنود ، ومن جانب آخر له معيقات تمنعه من القيام بالشؤون العامة ، ليس فقط من ناحية حسبه المتواضع ولكنه أيضا كان يعاني من عيب في النطق والتمتمة في الكلام )
( مني أنا : يعني دايرين يتموا بيهو الشغل بس )
جلسوا بين يديه في كردفان وعرضوا له الأمر ، وافقهم بشرط عدم تعريض حياة الملك للخطر ، وشرط آخر وهو إحضار أحد ( فكياء الفلاتة ) الذي كان مسجونا ( الفقيه حجازي أبوزيد ) ليطب لهم الملك حتي لا يشعر بشئ ، وهو ماحدث
إنصرف القوم مطمئنين ، غير أن الشاب أبولكيلك فتح قناة تواصل من خلفهم مع ناصر ابن الملك واتفق معه علي ( تقاسم السلطة ) ، زحف جيش أبولكيلك وحاصر العاصمة ( إعتصام بي لغة أيامنا هذه ) بعد أيام تنازل الملك أبوشلوخ وتم نفيه لكسلا ، حيث قتل لاحقا …
خلال ثلاثة أشهر قام أبولكيلك بعزل كل رجال البلاط ( المتآمرين ) ومعهم حكام الأقاليم ونصب نفسه وزيرا تحت سلطة الملك ناصر الإسمية ، والذي تم قتله أيضا لما حاول التواصل مع أعداء أبي لكيلك للثأر لوالده أبوشلوخ …
دانت السيطرة للشيخ محمد أبولكيلك وورثته من بعده ، وكان ذلك بداية لتفكك الدولة السنارية التي وقعت فريسة سهلة في يد جيوش محمد علي الغازية 1821 ..
هذا كتاب التاريخ المفتوح يسخر من أولئك الذين لا يقرأونه للإعتبار ..
ياسر يوسف