مشكلتك مع الجنجويد شنو طيّب؟

هل فيه جيران سرقوا بيوت جيرانهم في الحرب دي؟
هل فيه جيران دلّوا الجنجويد على جيرانهم؟
هل فيه مواطنين سرقوا المخازن والأسواق لمن حصل الانفلات الأمني؟
هل وللا ما هل؟!
أها السؤال الأخير دا هو الأهم!
هل هنالك فائدة ترتجى من وراء ترويج هذه الأخبار، حتّى لو صحّت؟!
والسؤال ما سؤال تقريري عشان يقودك نحو “لا، مافيش فايدة”؛
وإنّما سؤال تنويري قصده يرفع وعيك بالغرض من تداول القصص دي، والتأكّد من إنّه التداول فعلاً بيحقّق الغرض منه؛
فيه ناس، لاقوني ويمكن لاقوك برضو، بيفتّشوا القصص دي عشان يثبتوا سجم رماد الشعب السوداني، تمهيداً لانسلاخهم من جلدتنا وضميرهم مرتاح؛
لكن أنا بسألك إنت، داير تثبت شنو؟
داير تخدم ياتو غرض؟!
القصص دي بكل تأكيد بتثبت وجود خلل في مجتمعنا؛
لكن أها وبعدين؟!
فيه زول أصلاً شاكّي في وجود الكثير من الخلل دا؟!
هو فيه مجتمع في الكوكب دا مثالي يعني؟!
الخلل في المجتمعات حاجة طبيعيّة؛
بل ممكن النظر إليها إيجابيّا كطاقة محرّكة للحياة خلال البحث المستمر عن معالجة الخلل،، المستمر هو الآخر!
ولأنّه معظم الناس مدركة للحاجة دي، حتّى لو ما كان بالصورة الواعية دي، فبنلقى الناس بتتحفّظ على تداول القصص دي وترويجها، خصوصاً بالنظر للضرر الممكن يسبّبه التداول دا في الظرف النحن فيه دا؛
ف أيوة؛
عندنا عيوب مجتمعيّة كبيرة؛
عندنا جيران بيؤذوا جيرانهم؛
عندنا أساتذة جامعات ببتزّوا طالبات؛
عندنا شيوخ خلاوي بستغلّوا أطفال؛
عندنا أطبّاء مدمنين؛
عندنا موظّفين مرتشين؛
عندنا مليون مشكلة من النوع دا مؤجّلين تناولها في الظرف الحالي؛
وعندنا كذلك عساكر في الجيش بيمدّوا يدّهم على ممتلكات المواطنين، وآخرين بتعاطوا إتاوات في الارتكازات، وغير ذلك من مظاهر الخلل في المؤسّسة العسكريّة؛
وكان المنطقي برضو إرجاء مناقشة الأمور دي لحدّي ما نعدّي من الظرف الحرج دا؛
ودا البعملوه معظم المواطنين فعلاً البضبطوا الحالات دي؛
لكن بتصدّروا بعض الناشطين لترقية المسائل دي لقضايا مستعجلة، وأولويّة قصوى من دون باقي المشاكل المجتمعيّة القلنا عليها؛
ليه؟!
ح نشوف بعد شويّة ..
يبقى الإجرام والفساد والخلل المجتمعي ما جا مع الجنجويد؛
ولا ح ينتهي بنهايتهم؛
لذلك فحقّنا نتذكّر إنّه حربنا الحاليّة ليست مع الإجرام والفساد؛
وإنّما مع الجنجويد؛
وههنا ح يتصدّروا نفس الناشطين العندهم مشكلة خاصّة مع الجيش؛
ويسألوك انت مشكلتك مع الجنجويد شنو طالما مستعد تتغاضى عن عيوب الجيش والمجتمع وترجئ الحديث عن مشاكل في المجتمع من نفس عينة العند الجنجويد، حتّى لو اختلف مقدارها؟!
مشكلتنا مع الدعم السريع ما في أداؤه ولا سلوكه؛
وإنّما في وجوده من الأساس؛
يعني لو الجنجويد ديل بقوا ملائكة، أو أنبياء، يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، برضو ح نقول “الجنجويد ينحل”؛
لأنّه المشكلة في الدعم السريع نفسه، مش جوّاه؛
المشكلة في وجود جيش مستقل عن جيش الدولة، يتبع لشخص أو تنظيم أو غيره؛
دا “ورم” في جسد الدولة، ومهما كان حميد ف مصيرة يسرطن ويشل الدولة كلّها؛
ومن حسن الحظ إنّه الدعّامة كانوا كعبين وأراذل، ووفّروا علينا عناء النقاش الفلسفي التجريدي دا؛
ولسوء الحظ، فعندنا مثقّفين، من ضمن الخلل الاجتماعي القلناه، مجتهدين في تبييض وجه الدعم السريع وتشويه صورة الجيش، عشان يوصّلونا حتّة المقارنة على مستوى السلوك دي!
المقارنة بين الدعم السريع والجيش غير موضوعيّة من الأساس؛
الفرق بين الدعم السريع والجيش ما في مستوى الأداء أو السلوك، وإنّما في مستوى الكون نفسه: دا يطلع شنو، ودا يطلع ايه؟!
دا جيشنا، وداك ما جيشنا، نقطة؛
ما مجدي تحاول تقنع زول باستبدال ولده بي ولد تاني لأنّه ولده سجمان وداك كويّس؛
يظل دا ولده وداك ما ولده؛
ف نحن ما بنشجّع فريقنا القومي لأنّه أداؤه رايع، وإنّما لأنّه دا فريقنا نحن؛
لو أداؤه تعبان ح نصبر عليه وندعمه ونطوّره عشان يبقى أحسن، مش نمشي نجيب لينا فريق تاني بلعب أحسن؛
وكذا الحال في كل ما يتعلّق بالبلد؛
يعني ما ح نرحل بي جملتنا بلد تاني عشان بلدنا حارّة وللا مشاكلها كتيرة، ياها دي قسمتنا؛
وماف ناس في الدنيا لقوا روحهم في جنّة وللا لقوا فريقهم القومي رهيب وللا جامعاتهم جات منزلة؛
الشعوب دي كلّها تعبت في استصلاح بلادها؛
اليابانيّين مازالوا بيصارعوا الزلازل؛
السعوديّين بيحلّوا موية البحر؛
الكنديّين بيقاوموا الجليد؛
وهكذا.
بس للأسف، ياهو محتاجين نقرّر حاجات بديهيّة زي دي: stating the obvious؛
لأنّه ضمن الخلل الاجتماعي العندنا، فعندنا “نخبة” مستعدّة تسمسر فينا؛
مجتهدين في شان يقنعونا بي بيعة قبضوا عمولتها مادّيّا و\أو معنويّا، تقتضي استبدال جيشنا بميليشيا الدعم السريع؛
مسألة الترويج الدعائي لقصّة السرقات والتجاوزات داخل الجيش دي مجرّد حلقة واحدة متأخّرة في المسلسل المازال عرضه مستمر؛
لكن القصّة بادية من بدري؛
من ايّام “معليش ما عندنا جيش”؛
أبداً ما كانت بحسن نيّة الحاجة دي: انت العلى نيّاتك لو افتكرتها جات ساي؛
في حلقة خاصّة من المسلسل، ح تلقاهم بتكلّموا عن مشكلة “تعدّد الجيوش”، على أساس إنّه البلد عندها جيوش كتيرة ممكن نتعامل معاها على نفس الأساس، ونقارن بيناتها ونفاضل؛
من هنا بدا التمهيد للمقارنة القلنا عليها غير موضوعيّة دي؛
أبداً؛
البلد عندها جيش وااااحد، بتخرّج من كلّيّة حربيّة واحدة؛
وما عداه ميليشيات ينبغي التعامل معها بدون مقارنتها بالجيش القومي؛
بعدين في حلقة تانية من مسلسل الخبث دا جات فكرة “جيش الكيزان”، والصيغ الابتذاليّة منّها زي “جيش كرتي” و”جيش سناء حمد”؛
مرّة تانية تكون على نيّاتك لو افترضت سلامة نيّة عند الناس البشتلوا الحاجات دي؛
الناس ديل أحقر ممّا تتخيّل، بسمسروا في بلدهم وشعبهم وتاريخهم من أجل مكاسب شخصيّة تافهة تعود عليهم؛
: بايعينّنا رخيص خلاص!
المهم؛
سناء حمد دي بت متين عشان يبقى عندها جيش عمره ١٠٠ سنة؟!
إنّما الغرض من الحاجة دي معالجة نفسيّة ليك انت عشان تتقبّل المقارنة؛
داير الروبي وللا داير فهنّي؟
داير سناء حمد وللا داير حميدتي؟!
وتدخل بعد كدا في مقارنات بين الجيش والدعم السريع زي البعملوا فيها ناس هشام عبّاس ومحمّد خليفة ديل؛
والمقارنة من الأساس غلط!!
الخلاصة:
الخلل الاجتماعي من متلازمات المجتمعات البشرية؛
والحياة رحلة تطوّر مستمرّة؛
والحضارة عمل تراكمي، الناس ما تهدم العندها وتبدا من العدم، وإنّما بتبني على ميراثها وتعالج عيوبه؛
المشركين، كيزان قريش، ختّوا أصناهم جوة بيت الله الحرام ذاته؛
بعد كدا ربّنا أرسل رسوله عشان يصلّح الخرمجة دي ويطهّر البيت من دنس الأصنام؛
ما بني بيت جديد، ولا تكلّم عن تعدّد الأديان؛
وإنّما بس عالج الخلل، ورجع لقواعد إبراهيم عليه السلام؛
وبالمناسبة، تفيد بعض الأحاديث إنّه شكل الكعبة الحالي ما ياهو البناه إبراهيم عليه السلام، لكن الرسول ﷺ تقبّل التعديل العملوه أسلافه في فترة لاحقة؛
المهم؛
ما نغرق في المثال التوضيحي؛
الشاهد بس إنّه الناس تصبر على التحسين المستمر والعلاج المتأنّي لمؤسّسات دولتها وتراث مجتمعها؛
﴿وَلا تَكونوا كَالَّتى نَقَضَت غَزلَها مِن بَعدِ قُوَّةٍ أَنكٰثًا تَتَّخِذونَ أَيمٰنَكُم دَخَلًا بَينَكُم أَن تَكونَ أُمَّةٌ هِىَ أَربىٰ مِن أُمَّةٍ إِنَّما يَبلوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُم يَومَ القِيٰمَةِ ما كُنتُم فيهِ تَختَلِفونَ﴾ [النحل ٩٢]
وصيّة عظيمة وصّاها المولى عزّ وجلّ لأسلافنا وقدوتنا؛
نشرحها عشان ما يفوت المثال على زول؛
العرب كانوا بيدخلوا في أحلاف بين قبائلهم من أجل تحقيق مصالح مشتركة بين القبائل، في مرحلة ما قبل الدولة؛
أها كان لمن يلقوا فرصة تحالف بديل مع قبيلة أقوى، بيقوموا ينطّوا من اتّفاقهم مع القبيلة التعبانة، ويمسكوا في القويّة؛
فربّنا وعظ المؤمنين: ﴿وَأَوفوا بِعَهدِ اللَّهِ إِذا عٰهَدتُم وَلا تَنقُضُوا الأَيمٰنَ بَعدَ تَوكيدِها وَقَد جَعَلتُمُ اللَّهَ عَلَيكُم كَفيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعلَمُ ما تَفعَلونَ﴾ [النحل ٩١]؛
وبعدين جات الآية الفوق بتشرح أكتر إنّه القبيلة الأقوى البتظهر ليكم دي امتحان من الله؛
أمّا قصّة الغزل دي، ففيها مثل عند العرب: “خرقاء وجدت صوفاً”، يروى عن واحدة في مكّة بتقعد النهار كلّه تغزل في الصوف، وآخر اليوم روحها تحرّقها تفرتقه؛
فذلك مثل المثقّفين “التقدميين” العندنا البيحنّكوا فينا نفرتق جيشنا العمره أكبر من أعمارنا، ونبني مكانه جيش جديد بالتصوّر البعملوا فيه في ورش كمبالا وعنتيبي؛
ومجتهدين يسوّقوا للحاجة دي من خلال شيطنة الجيش وتصويره كعدو للمواطنين يسرق أموالهم ويضربهم بالطيران وغير ذلك من فصول الإعلام الموجّه الشاهدناها؛
وبهناك يسألونا مشكلتنا مع الجنجويد شنو، وكلّ مرّة ينزّلوا في السعر ويحسّنوا في البضاعة عشان نشتري؛
معليش، يفتح الله؛
دا جيشنا المنّنا وفينا، ما بنبدّله؛
ودا آخر كلام عندنا!
عبد الله جعفر
١٦ فبراير ٢٠٢٥






