الدبلوماسية المصرية .. مواقف وكوارث !!
عمرو موسى، مراد غالب، محمد إبراهيم كامل وغيرهم .. أسماء لمعت في سماء الخارجية المصرية ولا تزال .. أسماء كتبت مقترنة باسم مصر بماء الذهب في صفحات تاريخ بلادي.
كانت مصر في عصر هؤلاء الرجال اسماً يثير المهابة ويدفع في عقل وقلب سامعه إما الرهبة أو التوقير و الاحترام.
وقتها كان المواطن المصري يفخر بأن هناك من يمثل بلاده في ساحات الدبلوماسية العالمية خير تمثيل ويعمل على الاستفادة من قوة مصر الناعمة متمثلة في تاريخ عريق وموقع استراتيجي وغيرها، ولم نشعر بأن هؤلاء موظفون لا رؤية سياسية لديهم ولم نفتقد فيهم الكاريزما التي أسرتنا جميعا.
بل أتى على مصر زمان كان المواطن المصري خارج بلاده يلاقى بالترحيب والاحترام ويعامل أفضل معاملة تقديراً لمكانة بلاده ان لم يكن تقديراً لكفاءته ومهاراته ويكفيني من كل ما سبق ان اذكر بلقاء عقد في التسعينيات بين عمرو موسى وشلومو بن عامي وزير خارجية الكيان الصهيوني في برنامج المذيع اللامع لاري كينج، وكيف شعرنا جميعا كمصريين كباراً وصغاراً بالفخر بأن لدينا رجلاً صلباً قوياً مثقفاً لبقاً كعمرو موسى يحمل حقيبة الدبلوماسية المصرية.
وربما كان هذا اللقاء الى جانب أغنية شعبان عبد الرحيم – سامحه الله – هما ما لفت الأنظار الى أهمية الرجل ومكانته الكبيرة في قلوب المصريين فأزيح الى منصب الأمين العام للجامعة العربية فيما بعد.
تصارعت كل هذه الخواطر في ذهني وأنا أرى – بل والعالم العربي كله يرى – كيف شاهت صورة الدبلوماسية المصرية في أعين الجميع، وكيف فقدنا مكانتنا وريادتنا العربية والاقليمية والإسلامية ونحن نرى السقطات المتوالية للسيد أحمد أبو الغيط من فضيحة اختطاف وتحرير السياح الأجانب في صحراء مصر وما ورد بشأنها من تصريحات لا علاقة لها بالواقع، إلى تهديد الفلسطينيين الجوعى بكسر الايدي والاقدام بدلاً من إدخال المعونات الغذائية إليهم لأن حماس هي التي تسيطر على المعبر وليس فتح، فعاقبنا الكل بكراهيتنا الشديدة للبعض، إلى فضيحة جلد الأطباء المصريين واعتقال المهندس المصري في السعودية وهي القضايا التي أثارها الإعلام والمجتمع المدني مما مثل ضغطاً شديداً على الخارجية دفعها إلى التحرك لحلها وغيرها مما سنورده الآن، وجميع هذه الأمور ما هي إلا انعكاس لمدى الضعف الذي وصلت إليه الدبلوماسية المصرية وهو ما يصعب تحمل مسئوليته للسيد أحمد أبو الغيط وحده.
أزمة الرسوم المسيئة
تأخرت كافة الدول العربية بالطبع في الرد على هذه المهانة الموجهة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن الدبلوماسية المصرية أرادت أن تغلق المسألة تماماً مع الحكومة الدنماركية فأبعدت سفيرة مصر هناك السيدة مني عمر عطية إلى جنوب إفريقيا عقاباً لها على تصريحاتها حين طالبت الدنمارك رسمياً بالاعتذار واعتبار كل ما صدر رسمياً عن رئيس وزراء الدنمارك غير كاف مطالبة السلطات الدنماركية بأن تبذل المزيد من الجهد لتهدئة مشاعر المسلمين حول العالم.
الأغرب من قرار النقل في أعقاب الأزمة أن هناك أقوالاً في الدنمارك سرت بين أبناء الجالية المصرية بأن السيدة منى عمر تم إبلاغها رسمياً من قبل الحكومة الدنماركية بأنها شخص غير مرغوب في وجوده .. فهل سمعنا بهذا الأمر؟ طبعاً لا .. وماذا كان الرد؟ لا شيء .. وماذا كان يمكن ان يكون الرد لو كانت الأحوال مختلفة في مصر ؟ .. الأمر متروك للقارئ
أزمات المصريين في السعودية
يقدر البعض عدد الجالية المصرية في السعودية بحوالي نصف مليون مصري والبعض الآخر يطرحون رقماً أكبر، ومع هذا العدد الهائل لأعضاء جالية دولة ما يتوجب على البعثة الدبلوماسية المزيد من الجهود لخدمة أبناء هذه الجالية .. ولكن للأسف فكل ما نسمعه عن بعثتنا الدبلوماسية في السعودية يعد عاراً على الدبلوماسية المصرية .. بل وأي دبلوماسية في العالم.
ففي أي دولة تكون سفارة المواطن أول ما يلجأ إليه وهو عكس ما يحدث في السعودية -وفي العشرات من سفاراتنا – حيث المعاملة الخشنة والسيئة والاحتقار والاستهانة، بينما إذا تعرضت خادمة من سريلانكا او الفلبين لأدني قدر من الإهانة أو إهدار الحقوق يقف إلى جانبها قنصل أو مساعد سفير إن لم يكن السفير نفسه .. وهو ما يجعلني أتساءل حول حقيقة الدور الذي تقوم به بعثاتنا الدبلوماسية في الخارج وما يسند إليهم من أعمال.
لم تحتج الخارجية المصرية حين حكمت إحدى المحاكم السعودية على طبيبين مصريين بالجلد 1500 جلدة، بل طالبت باحترام قوانين السعودية !! في حين أننا لم نسمع عن سعودي تمت معاقبته في مصر لانتهاك كرامة المصريين بكلابه أو بحرسه الخاص .. وعجبي !!
وبعدها ألقت أجهزة الأمن السعودية القبض على يوسف العشماوي دون إبداء أي أسباب للقبض عليه، وتنص لائحة الجزاءات السعودية على أن يبلغ المحتجز ومحامية بطبيعة الاتهام المنسوب اليه في غضون 48 ساعة وهو ما لم يحدث إما لاستهانتهم بقدر المواطن المصري ودولته أو لتقصير من جانب البعثة الدبلوماسية.
وبعد أربعة أشهر، أعلن السيد الوزير نتيجة الضجة التي أثيرت حول اتهام يوسف بالتخابر لصالح المخابرات المصرية أن المواطن المصري ليس متهماً بالتخابر، وأنه مسجون في سجن الحاير بالرياض، وأنه لا يعرف طبيعة الاتهام المنسوب اليه حسبما ذكرت الشبكة العربية لحقوق الانسان في تقريرها !!… وهي معلومة جديدة لم يعلمها المصريون الا حينما أعلنها سيادته وكأن المصريين لا يشاهدون سوى أخبار القناة الأولى المحلية !!
فضيحة البعثة الدبلوماسية في نيويورك
اعتقد أن عدداً كبيراً من القراء قد هالهم أن يجدوا هذا الخبر في وسائل الإعلام الغربية والذي تم ترجمته في الصحف المصرية بشأن تصدر البعثة الدبلوماسية المصرية فى نيويورك قائمة أكثر بعثات العالم ارتكاباً لمخالفة “الركن فى الممنوع” وعدم سداد رسوم انتظار سياراتها، وكأنهم لا زالوا يعتقدون أنهم يعيشون في مصر وأن المخالفات ستسقط عنهم عند التجديد السنوي لرخصة القيادة او لأنهم فقط أعضاء في بعثة دبلوماسية!!
فقد كشفت بيانات المرور فى مدينة نيويورك أن قيمة مخالفات بعثات 10 دول فقط بلغت 8 ملايين دولار، حيث تصدرت مصر القائمة بقيمة 1.9 مليون دولار (10.6 مليون جنيه) لم تسدد، وفقا لما ذكرته صحيفة “الشروق” .. فإذا كان هذا هو حجم الالتزام بقوانين الدولة التي نعمل بها لرعاية مصالح الجالية المصرية، ترى ما الذي تفعله هذه البعثة مع الجالية المصرية نفسها؟ وإذا كانوا لا يتقيدون بقوانين السير في هذه البلاد، فهل سيلتزمون بالقوانين التي تلزمهم برعاية مصالح المواطن المصري؟
الحرب على غزة
لم أتعجب إطلاقا -على الرغم من ضيقي الشديد وحزني- من مشهد مهاجمة أو حصار السفارات المصرية في اليمن وايران ولبنان والدول الأوربية احتجاجا على أداء مصر الدبلوماسي خلال مذبحة غزة .. وهذا إن دل على شئ فهو يدل على أن الجميع كان إلى وقت قريب يضع مصر في مكانة معينة (تذكر فرحة العرب بفوز المنتخب المصري على إيطاليا!) ظلت تتدنى إلى أن وصلت إلى الحضيض خلال هذه الحرب البشعة.
واعتقد أن من تابع الأداء السيئ للخارجية المصرية خلال هذه المذبحة كان يبكي تحسراً وألماً على ما آلت اليه صورة مصر في عيون الجميع، فالسيد أبو الغيط – ومثله السيد مصطفى الفقي – أعربا في أكثر من لقاء عن خشيتهما من إقامة إمارة إسلامية على حدود مصر الشرقية لمجرد أن الأمور آلت لحماس رغم محاولات مصر المضنية ودعمها لفتح للحيلولة دون ذلك – في حين لا يمثل وجود مفاعل نووي في صحراء النقب بل وجود الكيان الصهيوني من الأصل على حدودنا أدنى خطورة، ويصل الأمر إلى تهديد كل من يحاول عبور الحدود إلى مصر بتكسير الأرجل بدلاً من أن نوفر لهم الطعام والعلاج وهو الأمر الذي كان سيقينا كل مخاوف نقل القضية إلى سيناء ونظر العالم العربي والإسلامي إلينا بهذه النظرة السيئة، هذا بخلاف الاستعانة بأحدث التكنولوجيات الامريكية وربما الإسرائيلية لكشف الانفاق خوفا من أن تنقل عبرها الأسلحة.
ولا يمكن فهم الأمر إلا في سياق واحد وهو أن الدبلوماسية المصرية تكره حماس أشد الكراهية وعملت وستعمل على تقويض وجودها في قطاع غزة أياً كانت العواقب .. وأحيل من أراد الاطلاع على المزيد إلى تقرير مجلة فانيتي فير الفاضح لدور مصر في تدريب قوات فتح استعدادا للانقضاض على حماس وإنهاء وجودها الشرعي تماما في غزة.
أزمة قناة الجزيرة
أن تواجه الحكومات بعضها فهذا أمر مقبول .. أن تواجه الجيوش بعضها .. فهذا أيضاً أمر مقبول .. لكن أن تواجه دولة بحجم مصر قناة فضائية، وتصر على عدم استضافة معارضين بأعينهم على شاشاتها، وأن تتوقف عن انتقاد الإدارة المصرية في مقابل وجود تمثيل مصري جيد في قمة عربية .. فهذا مما يدل على مدى اهتراء دبلوماسية هذه الدولة لدرجة جعلتها تهبط في خصومتها إلى حد مهاجمة فضائية أياً كان حجمها وعدد مشاهديها، بل يرفع هذه القناة إلى مرتبة عليا تتساوى فيها مع دولة وتدخل معها في مساجلات.
في الأحوال الطبيعية وفي الدول الديمقراطية يكون الرد على وسيلة إعلامية -مثلاً- عبر وسيلة إعلامية سواء أكانت موجودة من الأصل أو يتم انشاءها لمحاربة هذه الفضائية .. ولكني لا أعتقد أننا نتمتع بما يكفي من شجاعة أو بالأحرى “ديمقراطية”
لإطلاق قناة بهذا الشكل يرتفع فيها سقف النقد والتغطيات الصحفية الحرفية وبالتالي ستظل قناة الجزيرة وطرحها الإعلامي بمثابة الشوكة في الخاصرة للدبلوماسية المصرية!
وفي النهاية اتمنى ان يكون لدى أحد القراء الأعزاء إجابة على أحد هذه الأسئلة:
أين كان السيد أبو الغيط حين عرض الفيلم التسجيلي (روح شاكيد) عن شهداء مصر من الأسرى في حرب 1967؟
أين كان السيد أبو الغيط حين قتل رجال وأطفال ونساء على حدود مصر مع الكيان الغاصب بنيران صديقة؟
أبن كانت الكرامة المصرية يا سيادة الوزير ونحن نؤكد على الاحتفاظ بل واحترام النصب التذكاري للجندي الإسرائيلي في رفح المصرية؟
أين كان رد السيد أبو الغيط وهو يقف إلى جوار تلك السفاحة تسيبي ليفني وهي تستند إلى ذراعه بعد خروجها من لقائها مع الرئيس مبارك لتهدد بالعدوان على غزة من قلب القاهرة؟
والسؤال الأخير: هل كانت الدبلوماسية المصرية – وغيرها من الوزارات – ستتدهور بهذا الشكل إن كانت الحكومة جاءت عبر انتخابات غير مزورة لأحزاب أو تيارات سياسية في مصر؟
اترك لكم الإجابة
مصراوي