أجمل ما يعجبني في تشكيل الحكومة -حتى الآن- أنها قطعت عشم الأحزاب السياسية في تقلد الوزارات، وأنهت عهد الابتزاز من الخارج عبر “بعضهم”، وفي ذات الوقت هي حكومة محفوفة بالعشم الجميل من المواطنين في أداء أفضل، وهنالك احتمال كبير بتفريغ التكدس السياسي، والتسكع في المهاجر حول قصة تشكيل الحكومة.
أخطر ما تفعله الحركات المسلحة حاليا أنها تسبح عكس التيار لو أصرت على تقديم قيادات سياسية وحزبية للوزارات، ورفضت أن تشارك في ترشيح كفاءات مستقلة من نسيجها الاجتماعي والمناطق التي تتصدر تمثيلها وبسط قيم “العدل والمساواة” فيها. أي عدل مع الاحتكار، وأي مساواة مع رفض الخبراء ما لم يبرزوا بطاقة حزب أو حركة، وموقع متقدم فيها.
هل تعتقد الحركات المسلحة أن قواعدها مجرد قطيع يتبعها في قراراتها، بالطبع لا؟! الحركات ونسيجها الاجتماعي فيه كم هائل من الشباب، فيه مثقفين ومحامين ومهندسين وأكاديميين ومعلمين ومحاضرين. قادة الحركات يعلمون تماما أن هنالك خيارات مستقلة ومؤمنة بقضاياهم في ذات الوقت، وتستحق أن تتقدم وتنفع السودان، وأن الأمر ليس حكرا لافراد ولا أسرة.
الحديث عن المركز والهامش لن ينطلي بعد هذا على شباب ينظرون للكفاءات المستقلة التي تقدمت بحقها ومستحقها في الدفعة الأولى في وزارات الصحة والزراعة والتعليم العالي، بينما هنالك أفراد من قياداتهم يصرون على الاستحواذ.
ربما يقبل رئيس الوزراء د. كامل ادريس بالابقاء علي قيادات الحركات، ولكن شكلهم سيكون غير مقبول أمام الرأي العام والتيار الشبابي الجارف حتى داخل الحركات، وسيظهرون في شكل المتسلطين باسم المناطق والاقاليم، وستحدث تصدعات بسبب خيبة الأمل.
نسبة 25% حسب اتفاق جوبا، لا تعني أن تختار القيادات نفسها وتقدم ذاتها، وتكتب أسمها بالقلم الأزرق، ثم تصادق عليه بالاحمر، وتوافق بالقلم الأخضر، والأسود، كل الأقلام في جيبها، وتحجز الجميع خلفها وتخنق التطور الطبيعي.
د. جبريل أنت رجل ذكي، ولم تكن وزير مالية فاشل أطلاقا، ولذلك يجب أن تكون سياسي ناجح.
لولا “شرط الاستقلال”، تصلح رئيس وزراء، ولكن الأفضل أن تتقلدها بعد الانتخابات. أنت تحتاج لتحويل (العدل والمساواة) لحزب غير مسلح، وتنسج تحالفات وتسبق المرحلة، وليس العكس .. الاصرار على إيقاف التاريخ وجر التطور السياسي للوراء.
على جانب ما ذكرت، د. جبريل بوصفه وزيرا وليس رئيس حركة، حذق أشياء مهمة، تتعلق بالتفاعل مع المجتمع الدولي في مؤسساته الاقتصادية، ومن الضروري المواصلة من حيث ما انتهى .. ولا بد من التفكير في صيغة دستورية تضمن هذا الأمر، من جهة أخرى الوزير أبونمو ارتبط عندي بالمفاوضات المباشرة مع الأمريكان التي أعادت عزة السودان، ووقف فيها الرجل في (وش المدفع) .. أنا كإعلامي بالنسبة لي أبونمو رأسمال وطني، وليس وزير معادن، وهذا يحتاج إلى التفكير بالوفاء والاستمرار في التعويل عليه في الملف أو في موقع تفاوضي، وهذه ترشيحات تخص حركته والحكومة، ولكنني قلت شهادتي لله.
الخلاصة أن الرغبة الشعبية هي (مستقلين) على مستوى الوزراء، ويمكن لحركات جوبا الجمع بين النسبة وحق الترشيح وفق المعايير، فاذا اصرت الحركات على غير ذلك تكون قد سبحت عكس المستقبل.
مكي المغربي
