لهف نفسي على بوادي دارفور وكردفان التي كانت حتى بالأمس القريب تعجُ بثروات النبات ومحاصيل النقد والثراء وتموجُ بواديها بالأنعام لبنا ولحما وعزة وكفاية.
لهف نفسي على بعض القبائل التي كانت حتى بالأمس القريب تفتح احضانها لضيوف الهجعة وتأوي المستجيرين وتذبح الذبائح قبل أن ترد السلام، لهف نفسي عليها وقد صارت تغلق الخلوة في وجه القريب وتفتح المعسكر القاتل في وجه الغريب.
لهف نفسي على تلك الديار التي كانت تعج بالأفراح والأعراس والموائد والأغاني والأناشيد والتواشيح والأماديح وبوح الأنفس السعيدة، فصارت اليوم تعجُ بالثاكلات والأرامل والشيوخ المعدمين والجرحى،لهف نفسي على الشباب الذين أصبحوا وقودا للمحرقة بقلب المعركة العدمية لقاء دراهم معدودات.
لهف نفسي على النظار والأمراء وحكماء القبائل الذين تحولوا لقطاع طرق ودعاة فتن وأصبحت بيوتهم العامرة حتى الأمس القريب بالفضيلة مخازنا للمال المسروق والارث الحرام، لهف نفسي عليهم وهم يحرضون ابنائهم على قتال لا خير فيه ولا عقيدة ولا وطنية كأنهم لم يخرجوا من أصلابهم ولم يطلقوا صرخة البداية من أرحام حلال.
لهف نفسي على العفيفات اللائي كن حتى بالأمس القريب صانعات لقِرى الضيوف ومتسربلات بالحياء والأنفة والكبرياء، فصرن اليوم بعد جريمة عصابة دقلو التي بددت كل جميل وأصيل، صرن بائعات شاي في المواقف والمنعطفات وأطراف البنادر الخائفة المعدمة، فصارت (بنات القبائل) خادمات للمنازل وأجيرات في مدن الجوار.
لهف نفسي على الشاعر الشعبي الفنجري الناطق باسم الفجيعة وهو يتمرغ في تراب الحسرة مبتدرا مسدار التوجع:
قبيل ما كنتو في حسبتنا راس المية
اتلفحتو بالشينة وسواد النية
ما دام العفيفة اتأجرت يومية
بتضوقو المزلة وخدمة المهرية
حسين خوجلي
