المرتزقة أيادي الخراب

ظاهرة الاستعانة بالمرتزقة في الحروب ظاهرة قديمة تأريخياً، عرفتها المجتمعات القديمة حيث لم تكن الجيوش النظامية قد تكونت، واستمرت في الوجود والانتشار والتطور أيضاً، بعض المجتمعات تقبلتها والبعض لم يتقبلها، إلى أن جاءت الثورة الفرنسية عام 1789م وكان يعلق على أبواب المطاعم والفنادق (ممنوع دخول المرتزقة) وذلك لأن سلوكهم (غير المسؤول) جعل منهم عناصر غير مرغوب فيها.

في أواخر القرن العشرين ظهر المرتزقة ك (ظاهرة) فرضت نفسها ك (مهنة) احترافية جذبت الكثيرين الطامحين في الثروات المنهوبة والساعين وراء الكسب المادي بأية وسيلة.

المرتزق شخص يشارك في الأعمال العدائية مقابل أجر مادي وهو شخص ليس له أي انتماء أو ولاء أو علاقة أو طرف في النزاع ، هو فقط يسعى للكسب المادي.

القانون الدولي لا يمنح (المرتزق) صفة (مقاتل) ولا يتمتع بالحماية الدولية لأسرى الحرب، هو شخص يجند بغرض المشاركة في قتال للإطاحة بحكومة أو تقويض نظام دستوري للدولة أو مساندة تمرد بغرض تحقيق مكاسب مادية ومالية.

انتبه العالم لخطر المرتزقة وعقدت على المستوى الأفريقي “اتفاقية الاتحاد الأفريقي بشأن القضاء على المرتزقة في أفريقيا”، والتي اعتمدت في دولة الغابون في العام 1977م ودخلت حيز التنفيذ في أبريل 1985م .
على المستوى العالمي نجد المادة 47 من البرتوكول الأول المضاف إلى اتفاقيات جنيف الأربع الذي اعتمد عام 1977م ، والذي نص على ” لا يجوز للمرتزق التمتع بوضع المقاتل أو أسير الحرب ، وهو الذي يجند خصيصاً محلياً أو خارجياً ليشارك في نزاع مسلح ويشارك في الأعمال العدائية بغرض الحصول علي المال، وليس من رعايا أي طرف من أطراف النزاع ، وليس عضوا في القوات المسلحة، وليس موفدا في مهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفا في النزاع بوصفه عضوا في قواتها المسلحة، وليس من رعايا الدولة التي يوجه ضدها العمل العدائي ولا من المقيمين فيها ” .

كما اعتمد العالم الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم و تمويلهم و تدريبهم في العام 1989م ، وهي تتفق مع الاتفاقية الأفريقية للقضاء على المرتزقة 1977م.

إن أهم ما نصت عليه الاتفاقية
ورد في المادة (2) حيث نصت على ” كل شخص يقوم بتجنيد أو استخدام أو تمويل أو رعاية أو تدريب المرتزقة وفقاً لتعريفهم السابق ، فإنه يعد مرتكبا لجريمة بموجب هذه الاتفاقية “.
“كل شخص يشترك اشتراكاً مباشراً في أعمال عدائية أو أعمال العنف المنصوص عليها في الاتفاقية أو يشترك في الشروع لارتكاب جرائم حرب هو يرتكب جريمة دولية”.

الشروع في ارتكاب هذه الجرائم يعد جريمة في حد ذاته، وقد توسعت الاتفاقية بحيث شملت الأشخاص الذين يقومون بالأفعال الاجرامية (المرتزقة) الذين يشتركون اشتراكا مباشرا في هذه الأفعال كما تطرقت للشروع في ارتكاب الجرائم ؛ أي شروع (المرتزق) في ارتكاب جرائم تشكل جرائم حرب.

الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم 1989م ، بالإضافة إلى ميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر (استخدام القوة) ضد سلامة أراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة بأي شكل ، وكذلك اتفاقيات جنيف التي تنص على أن المرتزقة لا يتم الإعتراف بهم ك (مقاتلين شرعيين) ولا يحب منحهم حماية قانونية ك (أسرى حرب) وهم مسؤولون عن الجرائم الدولية التي يرتكبونها ، كل ما سبق يجرم مشاركة (المرتزقة) سواء كانوا كولمبيين أو أفارقة مع المليشيا ويجرم جلب الإمارات لهم .

متى تنتبه دويلة الشر إلى أنها مهما جمعت من مرتزقة (من أمريكا اللاتينية أو أفريقيا) ومهما دعمت وساندت ومولت واشترت أسلحة وذخائر حتى لو كانت (أسلحة متطورة) فإنها لن تستطيع أن تنال شبراً من أرضنا، حيث كشفت منظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر في الربع الأول من العام 2025 م و الذي اتهمت فيه الإمارات بأنها تزود المليشيا الإرهابية باسلحة صينية متطورة تشمل قنابل GB 50 A الموجهة ، ومدافع ميدانية وقذائف AH-4 عيار 155ملم تم رصدها في الخرطوم ودارفور ، مع ملاحظة أنها بذلك تنتهك أيضا حظر الأسلحة المفروض على دارفور منذ العام 2004م.

وبعد تحرير الخرطوم من أوباش المليشيا تم تحليل صور مخلفات وهجمات المليشيا وحصر المعلومات حولها من معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الذي أكد أن الإمارات هي الدولة (الوحيدة) التي استوردت تلك الاسلحة وأعادت تصديرها للمليشيا !!!
ليست هذه المرة الأولى التي تدعم فيها الإمارات المليشيا بالسلاح والذخائر ولا المرة الأولى التي تستجلب لهم مرتزقة من كولمبيا ومن دول أفريقية (مجاورة) لتقاتل مع المليشيا المهزومة، لكنها المرة الأولى التي تعزز فيه الاتهامات بتقارير منظمات حقوقية دولية وامتلاك السودان لوثائق وأدلة دامغة وصور تثبت تورط دويلة الشر برعاية وتمويل (المرتزقة) دعما للمليشيا ، وتضع نظام أبوظبي في مواجهة اتهام بحماية ودعم وتمويل الارهاب !!

رغم ذلك لا زالت دويلة الشر في ضلالها القديم تمد المليشيا بالمرتزقة والسلاح، لكن هذه المرة سلاح الجو السوداني (نسور الجو) رد التحية – بطريقته الفريدة – بضربة جوية نوعية دقيقة استهدفت طائرة (خاصة) فور وصولها مطار نيالا بولاية جنوب دارفور ، مما أدى إلى مقتل (مرتزقة كولمبيين) فور وصولهم يوم أمس الأربعاء ،
الخبر أشار إلى أن الطائرة (الخاصة) قد أقلعت من احدى القواعد الجوية في منطقة الخليج !!

خطر وجود (المرتزقة) بهذه الأعداد الكبيرة ليس على السودان فقط، بل على كل الدول المجاورة خاصة الدول التي تعاني من نزاعات داخلية أو حركات مسلحة أو هشاشة أمنية، قد يكون وجود (المرتزقة) حطباً يزيد إشعال الحروب في المنطقة كلها.

مهما حشدت دويلة الشر من مرتزقة، ومهما دعمت المليشا بالسلاح ، فإنها لن تنال من عزيمة شعب حر أبي وإرادة أمة حضارتها تفوق سبعة الألف سنة، نحن من بدأ التأريخ ، ونحن من يصنع التاريخ ، ونحن من يكتب التاريخ الآن ، وعلى من يعادينا أن يقرأ تأريخنا حتى وإن كان تأريخه (هو) في سفر التاريخ (سطرين)!!!

د. إيناس محمد أحمد

Exit mobile version