رأي ومقالات

لماذا لا يقرأ أبناؤنا؟

#لماذا_لا_يقرأ_أبناؤنا؟
هكذا تساءل محمد وقيع الله
كتب: عثمان ابوزيد
♡ زارني من الهند صديقي الدكتور محمد منصور الهدوي مع أسرته. أهديت زائري كتابًا ووقَعت على الإهداء، فلما رأى الطفل راجي جواد والطفلة نوال نور (في الهند يحبون الأسماء المركبة) صنيعي مع والدهما؛ ذهبا إلى المكتبة وحملا كتابين وأقبلا علينا يطلبان إهداءهما أيضًا. وقد أهديتهما الكتابين ووضعت توقيعي على الإهداء، وخرج الاثنان يضمان الكتابين في شغف زائد (الصورة مرفقة).
♡ قبل أيام كنت أتفاكر مع الأستاذ شيخ الدين مختار الذي يشرف على مسابقة ناجحة بين تلاميذ المدارس في قريتهم مشكنور. سمعت منه أنهم عدلوا عن تقديم جائزة المسابقة من كتاب إلى (تاب)، فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير!
وقد فعلوا ذلك لأن أولياء التلاميذ قالوا إن كتبهم أحيلت للمخزن، ولا أحد يريدها الآن.
♡ من سنوات كتب الأستاذ الدكتور محمد وقيع الله مقالا بعنوان: لماذا لا يقرأ ابناؤنا؟ ذكر فيه أنه أول إقامته في أمريكا انتبه إلى مشهد الأطفال الصغار وهم يتراكضون نحو المكتبات، ويلاحقون الكتب باهتمام. ونقل د. وقيع الله أقوالا للخبراء بأن وَلَع الطفل بالكتاب يبدأ حالما يكمل شهره السابع، وأنه في شهره العاشر يجيد عادةَ الإصغاء من دون فهم الكلمات. ويعرض الدكتور وقيع الله المراحل التي يمر بها الطفل حتى تكتمل في قلبه عادة حب الاطلاع.
وكأن الدكتور وقيع الله قد تعمد استخدام كلمة (عادة) لحب القراءة ولم يقل هواية، ومن قبل كتب الأديب السوداني أمير تاج السر أنه سئل عن رأيه في القراءة: أهي هواية أم عادة، فأجاب أن القراءة ليست مثل الهوايات الشائعة مثل جمع الطوابع أو لعب الكرة، وإنما هي عادة يتعود عليها الإنسان ولا يستطيع الإقلاع عنها مدى العمر.
♡ حكى أمير تاج السر كيف أن والدهم جعل لهم من القراءة قانونا صارما نشأوا عليه، فكانوا يقرأون كل أسبوع كتابا. وكان الكتاب يصل إلى بيتهم في بورت سودان، يحمله صاحب مكتبة اسمه رفعت، يمر على زبائنه راكبا على دراجة، يقدم تلك الخدمة التي لم تكن معروفة في ذلك الوقت، ثم صارت مألوفة في زماننا في مجال الطعام.
ويستطرد أمير تاج السر بالقول: “لا أتفق مع الذين يقولون بأن التكنولوجيا الحديثة هي التي سرقت أبناءنا من القراءة، ذلك أن الشعوب الغربية التي اخترعت التكنولوجيا، والمفترض أن تنشغل بها، ما تزال تقرأ بشرهٍ كل ما يصدر، وأشاهد دائمًا في موقع كبير مثل [أمازون]، كتب لم تصدر بعد، وأعلن صدورها، فيتقاتل الناس على حجز نسخهم منها”.
♡ مصداق ذلك ما شاهدته أنا في رحلة بالبص من مدينة أيوا إلى سانت بول عاصمة ولاية مينيسوتا بأمريكا. لقد رأيت أغلبية المسافرين ينهمكون في قراءة الكتب، لكنني لاحظت أنهم حين يفرغون من قراءة الكتاب يتركونه في الباص، وتساءلت عن مصير عشرات الكتب المهملة فقيل لي إنهم يتخلصون منها برميها في الزبالة. وتلك عادة أخرى في أولئك القوم، أنهم يستعملون الشيء عندهم مرة واحدة ويتخلصون منه، أو كما يقولون (ديسْبوسَبول).
ليس في طبعهم إيلاف الأشياء أو الإيناس بالمقتنيات… آه، لو أنهم رأوا أمي يرحمها الله وكيف حافظت على علبة سكر في بيتنا. عبقت تلك العلبة وعتقت، وجدتها أمامي عندما وعيت الدنيا، وغادرت بيتي عندما كبرت، ولما تزل علبة السكر العتيقة تلك؛ باقية… لا تنتكث مرائرُها ولا تنجذم أواصرُها.

عثمان أبوزيد ابوزيد