رأي ومقالات

(هل هؤلاء حقاً سودانيون؟)

عندما كنت صغيراً، حفظت كتاب مولد الأسرار الربانية، وما زلت حتى اليوم أردد ( يا ربي بهم وبآلهم عجل بالنصر وبالفرج ) فـ للطريقة الختمية دور كبير في تهذيبنا وتربيتنا، لكن أغلبنا وأنا منهم لم ننتمِ إليها أبداً.

اذكر في شبابنا، لم نتخلف عن حفلات عقد الجلاد، ولم نترك أغنية لمصطفى سيد أحمد أو محمد وردي إلا وحفظناها عن ظهر قلب فقد كان للحزب الشيوعي السوداني نصيب الأسد في إشعال شغفنا بالأدب والفن، لكننا لم نكن يوماً أعضاءً فيه ، كذلك أحببنا ترانيم الجمهوريين، وأُعجبنا ببطولات المهدية، وأثارتنا خطابات عبد الناصر وحافظ الأسد، ومع ذلك لم نكن يوماً جمهوريين ولا أنصاراً ولا ناصريين ولا بعثيين .

واليوم، ها أنا أردد أنشودة (أنا المسلم) ليوسف القرضاوي، رغم أني لم أنتمِ يوماً للحركة الإسلامية.

نحن لسنا قلة، بل نحن الأغلبية الصامتة في المجتمع السوداني، فقد أحببنا أبو عركي البخيت، واستمعنا بتركيز للشعراوي والقرضاوي، و صلينا كثيراً خلف محمد سيد حاج و شيخ الزين و تطربنا ميادة قمر الدين مثلما تهز قلوبنا حماسة دلوكة إنصاف مدني ، هذه التركيبة الوجدانية الفريدة جعلتنا أكثر انفتاحاً وأبعد ما نكون عن الضيق أو الانغلاق.

العجيب في الأمر ان وحده معلم (الكديت ) في المرحلة المتوسطة (العم حسين) أو كما كنا نسميه حضرة الصول حسين ، وحده الذي استطاع أن يجندنا جميعاً لحزب واحد و هو حزب الجيش السوداني، ومنذها، صار حب الوطن بجيشه العظيم يجري في دمائنا كما يجري الدم في العروق.

لقد انتقدتُ كثيراً العميد طارق كجاب والعقيد الحوري و سخرت منهم مراراً، وطالبت الجيش بفرض قوانين الضبط والربط على كل القوات النظامية، لكن هذا لا يعني أن أشمت اليوم في إحالة العقيد الحوري، فكلاهما عندي أبطال قدموا الغالي والنفيس وكما انتقدت بعض المستنفرين من شباب الإسلاميين أشدت ايضاً بمقاتليهم و بثلما بكيت كالطفل عند استشهاد ابن الفرقة التاسعة المحمولة جواً الشهيد عثمان مكاوي، أجد نفسي اليوم أذرف ذات الدموع التي ذرفتها عند سماعي خبر استشهاد مهند، قائد عمليات البراء بن مالك.
أنا لست وحدي حتماً فأغلبية السودانيين ذرفت دموعها اليوم على مهند فنحن لا نشمت ولا نكره ولا نحقد نحن أسوياء ومتوازنون نفسياً ولذلك يبرز سؤال مهم جداً الآن ( هل الذين يشمتون اليوم في إحالات بعض الضباط أو في استشهاد فلذات أكباد السودان، هم فعلاً مسلمون؟ ) دعونا من إسلامهم… هل هم حقاً سودانيون؟

السوداني الأصيل يختلف مع الأحزاب و الطوائف و التيارات لكنه يتوحد حين يتعلق الأمر بالوطن و جيشه و أبنائه الشهداء و هذه هي السودانية التي نعرفها و نفاخر بها ، السودانية التي انتفضت و فزعت بالأمس للممرضة السودانية التي لم يسأل أحد عن قبيلتها او منطقتها او إنتماءها ، فقط لانها سودانية، ( بت بلدنا ) فهل من يشمتون اليوم ينتمون إلينا حقاً ؟
لقد كانوا مهند و عثمان من أصحاب الفلجات و الابتسامة الفريدة التي تزين الوجوه وتفتح القلوب، فلجاتهم رمز البراءة و صفاء القلوب، فضحكة عثمان كانت تسعدنا في لحظات فقدنا فيها السعادة و إبتسامة مهند في أخطر اللحظات بالمدرعات كانت تمنحنا و رفاقه الثبات و القوة

رحلوا عثمان و مهند كما عاشوا، بسطاء، نقيين، صادقين،و بقيت هذه الفلجات تذكرنا بهم و بتضحياتهم ، أترحم اليوم بقلبي كله على الشهيدين عثمان و مهند وعلى جميع شهداء معركة الكرامة الذين ارتقوا وهم يسطرون بدمائهم صفحة عز جديدة في تاريخ السودان.
نزار العقيلي