نحو مشروع وطني سوداني (١)

و الحرب تكاد تضع أوزارها ، و المؤامرة التي تعرضت لها بلادنا على مدى أكثر من ثمانية و عشرين شهراً منذ المحاولة الإنقلابية الفاشلة لمليشيا الجنجويد و حلفائها جماعة (قحت) بدعم إماراتي في الخامس عشر من أبريل 2019 تبدو في نهاياتها بإذن الله ، و الكل يتطلع إلى بداية مسيرة جديدة تضع بلادنا في المسار الصحيح ، الأمر الذي يتطلب بالضرورة إبتدار حوار جاد من أجل الوصول إلى (مشروع وطني سوداني) تتواضع عليه القوى السياسية و المجتمعبة الوطنية من أجل إعادة تأسيس الدولة السودانية على قواعد راسخة تجنب البلاد تكرار ما حدث و تتجاوز أخطاء و خيبات الماضي و تعصمها من التفرق و التمزق و ترسخ مفهوم الثوابت الوطنية التي تمثل (الخط الأحمر) الذي يحب ألا يتخطاه الجميع مهما تباينت آراؤهم و مشاربهم و توجهاتهم و انتماءاتهم الجهوية و الإثنية ..
مدخل :
السودان ظل هدفاً مستمراً للقوى الإستعمارية منذ القدم و ذلك لما يتمتع به من ميزات و خصائص قل أن تتوفر جميعها في بلدٍ واحد و التي يمكن حصرها في النقاط الرئيسية التالية :
ـ كثير من المؤرخين و الباحثين المختصين أثبتوا عبر دراسات معمقة أن السودان هو أصل و منبع الحضارة البشرية .
ـ يتمتع السودان بموقع جغرافي إستراتيجي حيث يطل بنحو 800 كيلومتر على البحر الأحمر الذي يمثل أحد مراكز التنافس الدولي بين القوى الكبرى خلال فترة الحرب الباردة و ما بعدها ، و خلال العقود الثلاثة الأخيرة أصبح منطقة تنافس و صراع إقليمي حاد ، و كذلك فهو أحد أهم الممرات المائية العالمية إذ يربط بين ثلاثة قارات (آسيا ـ أفريقيا ـ أوروبا) و تمر به ما بين (10% ـ 12%) من التجارة العالمية و ما بين (20% ـ 30%) من حركة الحاويات العالمية .
ـ يعتبر السودان بموقعه (الجيو إستراتيجي) بمثابة البوابة العربية للقارة الأفريقية و البوابة الأفريقية للعالم العربي و الشمال الأفريقي و حلقة وصل بين حضارات مختلفة .
ـ يتميز بتنوع ثقافي و إثني يمثل مصدر ثراء يجعل منه امةً عظيمة إذا أحسنت إدارة هذا التنوع .
ـ يمثل ثالث أكبر دولة في أفريقيا من حيث المساحة حتى بعد إنفصال الجنوب الذي أصبح دولة مستقلة في 2011 ، و هذه المساحة الكبيرة الممتدة جعلته متعدد المناخات و غني بالثروات .
ـ يتمتع بثروات طبيعية هائلة (زراعية ، حيوانية ، غابية) ، و ثروة معدنية ضخمة حيث توجد في أرضه معظم المعادن النادرة التي تدخل في الصناعات الحديثة .
ـ يعتبر السودان من حيث السكان دولة شابة فغالبية سكانه دون سن الأربعين و يتميز بموارد بشرية مؤهلة و قادرة على العطاء إذا توفرت لها الظروف المناسبة .
ـ كان السودان من أوائل الدول التي واجهت المحتلين فأصبح بذلك ملهماً لقادة التحرر في أفريقيا بل كان مأوىً للكثيرين منهم .
الخصائص و الميزات الرئيسية أعلاه جعلت السودان كما ذكرت في المقدمة هدفاً للقوى (الإستعمارية) و محط أنظار الطامعين الذين ما فتئوا يتربصون به و يسعون للسيطرة عليه و الهيمنة على موارده و ثرواته على مر العصور و ما الحرب الأخيرة التي تمالأت عليها قوى الشر الإقليمية و الدولية مستخدمة مليشيا الجنجويد و شركائها من القوى السياسية العميلة إلا شكل من أشكال التعبير عن مطامع هذه القوى و لكنها جاءت أشد و أقوى لتحقيق إستراتيجية يمكن أن نطلق عليها (استراتيجية الإستحواذ الكامل) و التي هدفت إلى :
١/ إحداث تحول كامل في توجهات البلاد الثقافية و الفكرية من خلال سيطرة أقلية متطرفة ذات توجهات علمانية على الحكم بحماية المليشيا و القوى الأجنبية !!
٢/ إحداث تغيير ديمغرافي بحيث يتم تهجير السكان الأصليين و استبدالهم بعربان الشتات من غرب أفريقيا (و أتضح لاحقاً أن دويلة الشر الراعي الرسمي و الممول للحرب و بالتنسيق مع الكيان كانت تخطط لتوطين الفلسطينيين الذين سيتم تهجيرهم من (غ ز ة) إلى جانبهم !!
٣/ تدمير كل عناصر القوة في البلاد و في مقدمتها القوات المسلحة ، القوى النظامية و الأمنية ، القوى السياسية الوطنية و الإسلامية عبر دعاوى إعادة هيكلة و إصلاح المؤسسات العسكرية و الأمنية ، و مكافحة الإرهاب الذي حاولوا و ما يزالون يحاولون إلصاقه بالتيار الإسلامي !!
٤/ و في حال فشل (إستراتيجية الإستحواذ الكامل) فإن البديل هو تمزيق البلاد إلى كيانات و دويلات ضعيفة يسهل قضمها و ابتلاعها !!
بحول الله و قوته و فضله و من ثم صمود الشعب السوداني و قواته المسلحة و قواه الوطنية فإن كل الدلائل و المؤشرات تشير إلى فشل إستراتيجية قوى الشر في تحقيق أهدافها و الوصول إلى غاياتها على الأقل في هذه الجولة من جولات الإستهداف التي تتجدد في كل مرة ، لذلك برزت في الساحة دعوات كثيرة إلى الحوار من أجل التوافق على (المشروع الوطني السوداني) ، و عبر سلسلة حلقات إبتدرتها بهذا المقال الذي ستعقبه مقالات أخرى فإنني أقدم رؤيتي و مساهمتي في هذا المشروع و أدعو الجميع لإثرائها بالنقاش الهادف و البناء ..
سوار
24 أغسطس 2025






