من ارشيف التضليل المبتذل!
* محمد لطيف: (إعلان جدة في أول بند فيهو قال حاجة خطيرة جداً قال “الالتزام بهذا الإعلان لن يؤثر على أي موقع قانوني أو أمني أو سياسي للأطراف الموقعة عليه”، يا أخوانا البند دا وقع عليه الجيش السوداني، ممثلي الجيش السوداني المشوا يفاوضوا الدعم السريع في مننبر جدة في ١١ مايو وقعوا على هذا النص، وهذا النص دا معناه يا أخوانا شرعية الدعم السريع سياسياً وأمنياً “فُل ستوب”، إذا إنت بتتكلم عن التمسك بإعلان جدة، والعودة لإعلان جدة، هو ده إعلان جدة، ده البند الأول في إعلان جدة، مفروض تلتزم بيهو)
هذا نموذج صارخ للتضليل المبتذل الركيك، كما سنرى:
١. لو اقتطع المحلل السياسي دقائق من وقته، وقام بعملية بحث بسيطة ــ إذا كان يجهل المعلومة ــ سيجد ان اتفاقية جنيف الخاصة بحماية المدنيين في زمن الحرب تنص على أن الالتزام بالإجراءات الإنسانية لا يمنح أي طرف شرعية سياسية أو قانونية. وأن هذا النص مصمم لتسهيل الاتفاقات الإنسانية بعيداً عن المماحكات السياسية، مثل التي قام بها!
٢. إذا تجاهلنا جنيف وفحصنا منطقه، سنجد أنه لكي تؤدي عبارة “الالتزام لن يؤثر” معنى “أثر”، وأثبت الشرعية يجب افتراض: أن شرعية الميليشيا كانت *قائمة*، وأن التوقيع *قد يوهم بسحبها*، وأنه تم النص على أن التوقيع *”لن يؤثر”* لكي لا يوهم بسحبها. إذن “لن يؤثر” تعني “لن يسحبه”ا. إذن تبقى الميليشيا، كما هي: قوات شرعية! وهذه من أضعف أساليب المصادرة على المطلوب، أو إثبات القضية بافتراضها كمسلمة!
٣. الموقع القانوني “وقتها” كان هو: الجيش يصنف الدعم السريع ميليشيا “متمردة”، وهي كانت تصنفه “منقلباً” عليها. والالتزام الإنساني الذي “لن يؤثر”، يعني ــ بداهةً ــ أنه لا يلغي تصنيف أي طرف للطرف الآخر، وليس العكس الذي زعمه باستغلال ذات النص الذي يقطع الطريق أمامه، وإجباره على النطق بعكس مضمونه! وتحويل الجملة “النافية” إلى “إثبات قاطع. وكأنما “لن يؤثر” تعني “قد أُثر وأعطى شرعية كاملة”!
٤. إذا كان مصراً على توظيف هذه المادة ليقول كلاماً ضد الجيش كان يسعه أن يقول ــ بمنطق صحيح ــ إن الدعم السريع لم يعترف بشرعية الجيش، وما كان ليلومه أحد، لكن يقينه بأن الباحث عن الشرعية لدى الآخر هو الميليشيا سيجعل أي قول كهذا معدوم الجدوى!
٥. كان يسعه أيضاً أن يقول، إذا كان متمسكاً بمنطقه المعطوب: “التوقيع الذي “لن يؤثر” قد “أثر” وأنشأ وضعاً جديداً، وهو أن الطرفين قد اعترفا بشرعية بعضهما البعض”! لكن إرادة خدمة الميليشيا، وعلمه بأن الجيش لا يبحث عن شرعية منها، منعاه من تشغيل منطقه المعطوب مع الجيش أيضاً!
٦. كما ظل يحدث كثيراً من أدعياء الحياد، زعم ما لم تزعمه الميليشيا نفسها. فهي لم تقل بتفسيره للنص، ولم تزعم أن التوقيع الذي “لن يؤثر” قد أثر على وضعها القانوني والأمني والسياسي ومنحها الشرعية، وهذا جعله ملكباً أكثر من الملك!
٧. قال (إذا إنت بتتكلم عن إعلان جدة هو ده إعلان جدة)، أي أن جوهر إعلان جدة، او على الأقل أحد أهم بنوده الجوهرية، هو منح الشرعية للميليشيا، وهذا يكشف عن أولوياته، وانشغاله بالميليشيا وشرعيتها عن المدنيين الذين صُمِّم الاتفاق بالكامل من أجل حمايتهم، ومحاولته لتفريغ إعلان جدة من محتواه الإنساني، وتصويره كفعالية فارغة، أو تكاد، مما هو إنساني لصالح المواطنين، ومشحونة بما هو سياسي لصالح الميليشيا! فهو ذاته الذي بث عدة تسجيلات لإثبات أن إعلان جدة لا يلزم الميلبشيا بإخلاء المنازل، وهو هنا يؤكد بأنه يلزم الجيش بشرعية الميليشيا!
كنا نعرفهم، لكن ليس إلى هذا الحد ..! .. كنا نعرف، منذ بداية التمرد، أنهم سيستميتون في إثبات شرعية الميليشيا بعد تمردها، بل في إثبات زيادة شرعيتها بتمردها! .. لكن ليس إلى درجة المغامرة بالخصم الكبير من شرعيتهم هم أنفسهم! .. هذه المعرفة الإضافية بهم، أي بأعوان الميليشيا ادعياء الحياد، وفرها دقلو بعد إيغاله فيما يلغي شرعيته!.
إبراهيم عثمان
