وجود قوة زي قوات درع السودان هو شيء بالغ الأهمية لاعتبارات عديدة

#وجود قوة زي قوات درع السودان هو شيء بالغ الأهمية لاعتبارات عديدة، تاريخية وانية ومستقبلية أيضا، تاريخية ممثلة في أنه في ظل الاستقطاب ولغة القوة والعنف التي بلغت أقصى ابعادها، لن تستطيع قوة اي كانت أن تأتي بزعيم قبلي عزيز مثل اب سن، مكبلا بالاغلال والذل إلى أمدرمان يرزح في حجيم التعايشي بذلة بالغة، كان الفرق وقتها قوة السلاح، فالاخير يمثل دولة باطشة يتسيدها أفراد قبيلته ويتفننون في قمع كل صوت مخالف حتى قبل أن ينطق بكلمة، لم يكن الأمر القمع وقتها حصريا على مجموعات عرقية ممثلة في الشماليين فقط، بل تجاه كل الاطراف بما فيهم الزعيم التاريخي لقبيلة التعايشة نفسها الذي رفض الهجرة إلى أمدرمان فجيء به بأمر الخليفة من باديته مكبلا بالاغلال والذل، فأمر الخليفة نافذ لأنه بأمر الله والمهدي، كما كان يصور للناس كذبته التي كان هو أول منافق كذاب صدقها.
إذن وجود هذه القوات يرجح كفة وسط جغرافي واجتماعي مهم عانى من التهميش ليس بأقل مما عانى أهل دارفور والسودان مجتمعين ومع ذلك هم موسومين بالجلابة العنصريين ” شايلين وش القباحة ساي”، وفي مستوى آخر هم محض عرب زوط “زواطة”، كما تصفهم السنة السوء حاضراً، وجود هذه القوات بالمزيد من التدريب والعتاد يرجح كفة الميزان في ظل الاستقطاب الحاد الحاصل والعنف، ما حدث بالجزيرة في هذه الحرب، هو بالضبط ما كان يحدث طيلة فترة التعايشي السيئة وهو ما وثقت له الذاكرة الشعبية عبر أغنيات تمجد ابطالا شعبيين من المنطقة قاوموا قمع الجهادية السود، جنود الخليفة، قاوموهم بالسيف والشجاعة على قلتهم، وهذا ما نجده في الأغنية الشعبية الجنزير في النجوم”، التي غناها المغني الشعبي خلف الله حمد، ولاحقا الكابلي، ووثق لهذه الفظاعات الشاعر القدال في قصيدة أمونة التي تغنت بها مجموعة عقد الجلاد،
“جهادية الحلبونة شدوا جمالهم
جونا جلبنا ليهم سمسم
السمسم ما كفاهم
جلبنا ليهم سمسم السمسم
ما كفاهم جلبنالهم سعية”
وهي قصيدة ملحمية درامية توثق لعهد مظلم للغاية.
آنياً في لحظة اليوم وجود هذه القوات مهم، في بلد تشالبته قوى الامبريالية عبر مخالبها ووكلائها، وجود قوى أهلية مهم لأنه يحفظ لهذه المكونات حقها في الدفاع عن نفسها ومواردها ومستقبلا إدارة مناطقها بشكل منظم ومستقل إن دعت الضرورة، وانيا ايضا، لا تستطيع قوات نهب مسلح مثل جماعة مناوي وجبريل أن تنتزع ثروات هذا الإقليم وامكانته في الأرض والموارد بحجة الاستوزار في المالية او التعدين، كما حدث في باقي مناطق السودان، تحديدا المنطقة النوبية المنهوبة والتي إلى اليوم لم يستوعب أهلها خطورة ما يحاك ضدهم وينامون على العسل باطمئنان غبي ومحير.
للنوبيون سردية عجيبة وهي انهم متحضرون، ولغتهم الادانة وليسو أهل عنف، في عالم لا يعرف غير لغة القوة، ماذا حدث لهم وسيحدث؟، تمام، انت ما عنيف، وما زول حرب، ما في سبب يخليني كقوة اشيل سلاح ضدك لأنك اعزل، تمام، لكن ضروري اقتلك برضو لأنهب مواردك وافقرك، حعمل شنو؟، ادمر بيئتك، اخليك ضعيف ومريض وفقران ومنهوب، ودة البحصل ليه زمن في المنطقة النوبية، يعني في دارفور كانت ثمة حرب وابادة وفي المنطقة النوبية حرب أشد فتكا وابادة فقط ظاهرها ناعم، قتل بكاتم صوت اسمه تلوث وقتل البيئة، النيل لم يعد النيل ولا الأرض صالحة لأي شيء ولا الإنسان سيعمر طويلا هناك، سيمرض الجميع او يهجرون الأرض ليحتلها آخرين، دهابة على لصوص آثار عابرين لحدود الدول. وكان بالإمكان منع كل هذا فقط لو أن أحدهم بدل مد لسانه مد سلاحه. لكنه الغباء.
ومستقبليا وجود مثل هذه القوات مهم لأنها ذات طابع اهلي، فحدة التجريف واعادة دمغرفة البلاد عبر طرد اهلها الأصليين واستبدالهم بوافدين جدد تعلمونهم، ليسو ممثلين بمجموعات جغرافية معينة، بل من جغرفيات عديدة، شمالا شرقا وغربا وحتى جنوبا، يعني هندسة اجتماعية جديدة لا تقوم على الحس الوطني واللُحمة الاجتماعية، بل على مصلحة العمل، أُجراء في الحقيقة تحت مسمى مواطنين، هذا يحدث وفق تخطيط ممنهج لطرد أهل البلاد بجعلها طاردة بافقارها ومصادرة مواردها، ووجود قوة أهلية يعطي معنى ومبرر لوجود الناس ويعزز وعيهم بحقهم في الحياة وفي موارد أرضهم واهميتها ويقطع الطريق أمام الاستعمار الجديد، وعلى اقل تقدير يقوم بالاهم بالمقاومة حتى تسترد البلاد انفاسها وتنهض، بدل ما تسلم بكل هذا الذل وتترك الأرض كما حدث في المنطقة النوبية ومناطق البجا بشرق السودان.

محمد فرح وهبي

Exit mobile version