الرباعية الدولية وأحلام العتيبة لإحياء الاتفاق الاطاري

في ديسمبر من العام ٢٠٢٣، قال المفكر والاقتصادي الأمريكي جيفري ساكس إن السياسة الخارجية الأمريكية كذبة تقوم على الفساد، وإنها تعبر عن قمة العقلانية الملتوية التي تخدم مصالح نخب معينة تصب نتائجها في جيوب المجمع الصناعي العسكري في واشنطن..
البروفيسور جيفري ساكس، وهو يهودي أمريكي وأستاذ في جامعة كولومبيا، يحظى بمكانة عالمية مرموقة في الأوساط الأكاديمية. صنفته مجلة تايم الأمريكية ضمن أكثر مائة شخصية تأثيرا في العالم، كما صنفته مجلة إيكونميست البريطانية ضمن أكثر ثلاثة اقتصاديين أحياء تأثيرا في العالم..
اشتهر ساكس بنقده للسياسة الخارجية الأمريكية ولتوجهات بلده التي وصفها بأنها أكثر دولة وحشية في العالم، تسيطر عليها مافيا متعددة الأقسام. وقد استطاعت هذه المافيا، عبر نفوذها المالي اختراق السياسة الخارجية الأمريكية وفرض مصالحها التي تتعارض مع مصالح الشعب الأمريكي..
تتوافق نظرة ساكس حول سياسة بلاده مع ما تقوم به الرباعية الدولية التي تسيطر عليها أمريكا، والتي من الواضح أنها تتعامل مع الواقع السوداني بنظرة سطحية محمولة بضغوط إماراتية وبتأثير لوبي يقوده السفير يوسف العتيبة. فقد تمكن هذا الأخير، ومن خلال المال الإماراتي، من اختراق النخبة المتنفذة في واشنطن والتأثير عليها لتبني الرواية الإماراتية عن الحرب في السودان..
إن تأثير أبوظبي على السياسات الخارجية الأمريكية واسع، خصوصا وأنها كما وصفها الرئيس دونالد ترامب أكبر وأهم شريك تجاري عربي للولايات المتحدة. فقيمة الاستثمارات الإماراتية تقدر بتريليون دولار، وهو مبلغ ضخم يؤهلها للتأثير على السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة. وكما قال ساكس أيضا في إحدى لقاءاته التلفزيونية “من يستثمر في أمريكا بمليار دولار يستطيع بالتأكيد تغيير سياستها الخارجية تجاه أي دولة”..
من الواضح أن أمريكا منقادة خلف رواية شريكها التجاري، ولا تملك معلومات دقيقة عن الواقع الحالي في السودان، ولا تعرف شيئ عن الشعب السوداني بعد الخامس عشر من إبريل. فهي لا تزال حبيسة للحظة “الاتفاق الإطاري”، وتظن أنها ومن خلال دعمها للرواية الإماراتية، قادرة على إدارة المشهد من جديد عبر إحياء جيفة الددعم السسريع وشتات قوى الحرية والتغيير..
على أمريكا أن تدرك أن زمن الخضوع لإملاءات السفارات قد انتهى، فالشعب السوداني وبعد التضحيات التي قدمها لن يقبل أن يكون تابعا لرغبات القوى الخارجية ومشاريعها التوسعية.أما بالنسبة للحكومة السودانية وعلى رأسها البرهان، فعليها أن تبني استراتيجية واضحة للتعامل مع المشهد الذي أعادت الإمارات هندسته عبر أيدي الرباعية. ولا ينبغي أن تقوم هذه الاستراتيجية على كسب ود أمريكا أو التقرب منها، فالسودان لا يملك المال الكافي لتغيير الرواية الإماراتية عن الحرب داخل دوائر واشنطن، ولا أمريكا نفسها مستعدة للتعاطي مع الحالة السودانية بعقلانية تخدم مصالحها ومصالح المنطقة ككل. فالسياسة الخارجية كما ذكر ساكس مخططة من قبل لوبيهات ونخب فاسدة تسعى لفرض توجهاتها الخاصة على حساب مصالح الشعب الأمريكي..
على الجيش السوداني أن يستمر في تحرير المدن واستعادتها والقضاء على التمرد. لا مجال لأي خضوع لأي مساعي خارجية تهدف لتمكين الميليشيات أو للمساواة بين الدولة والمتمردين. كما يجب على الحكومة أن تعمل على تقوية الجبهة الداخلية من خلال تعزيز وحدة الصف ودعم الأحزاب و المستنفرين ودعم مشاريع العودة. كما ينبغي عليها تنويع علاقاتها الخارجية ببناء شراكات استراتيجية مع دول مثل الصين وروسيا وغيرها، مع التركيز على تنمية القدرات الذاتية للدولة والجيش بدلاً من الانشغال بمحاولة تحسين صورة الجيش لدى أمريكا والغرب.
حسبو البيلي






