رأي ومقالات

إما الاحتلال أو الثورة الشعبية!

في يوليو 2023 كتبت مقالا بعنوان (بداية عهد جديد) قلت إن دور الجيش هو الفتك بالجزء النظامي من مشروع الاحتلال، والبقية ستكتمل بثورة شعبية ذات طابع اسلامي لأنه التوجه الغالب عند أهل السودان.
مشروع الاحتلال هو أصلا سليل عهد (لاوطني) دخل فيه السودان في 2010 واستمر حتى اندلاع الحرب لفرض الاحتلال بالقوة.
لماذا أرخت للبداية في 2010 وليس مع قحت؟ بالنسبة لي: إنتخابات 2010 كانت لحظة فارقة لأنها تمت مقابل الموافقة على استفتاء انفصال 2011 وبذلك تحولت الاتفاقيات -بالإجبار- من كونها مجرد أوراق ترتيبية للداخل الى إرادة خارجية لتقسيم الداخل، استمر هذا العهد اللاوطني بالرغم من وجود حكومة وطنية وزعيم شجاع -والرأي قبل شجاعة الشجعان- وصارت السمة الغالبة للسياسة في السودان هي دور الخارج في تشكيل أحداث الداخل وتأسيس كيانات ووصول عملاء للقمة والمفاصل، وهو المناخ الذي نشأت فيه علاقات خارجية للمليشيا عبر مكتب الرئيس ذاته، أما قحت فقد كانت نطفة في الأحشاء ولدت في 2019 في سفاح بين النظام ومعارضته، واستمرت سمات العهد اللاوطني الموروث من بأن الازمات تنتهي باتفاقيات وتفاوض وتسويات خارجية ووثائق و”أوراق”، تعزز دور الخارج. وعليه فالذين يرجحون هذا الخيار ليسو مخطئين (في النظر المحدود) لانهم يستندون الى سمات العهد اللاوطني الذي يعيشون فيه نفسيا، ولا يعرفون أنه انتهى وأن التاريخ دورات وليس خطا مستقيما في إتجاه واحد.
هذه الحرب حدث كبير جدا وأكبر من أن تحتويه (الطغمة السياسية) التي ترى أنها تحمل قلم التوقيع بإسم الشعب على أوراق يجهزها الاحتلال.
قلت إن الجيش سينتهي من الجزء النظامي لمشروع الاحتلال ولكن أجزاءه المبعثرة ومكوناته السياسة وبؤر الاستقطاب الأجنبي والاختطاف الجهوي تحتاج إلى ثورة شعبية، وستكون هذه الثورة ذات طابع إسلامي.
هذا تحليل وليس دعوة، لأنني شخصيا لم أؤيد التغيير الثوري أبدا، وأفضل الاصلاح وهذا خيار شخصي كتبت عنه كثيرا، لأن تكلفة التغيير دائما تفوق الاصلاح
ولكن إيقاف التغيير يتطلب هذه المرة الإقرار بنهاية العهد اللاوطني وقبول الطغمة للاصلاح العميق فيها، لا أن تكون هي “أستاذ الاصلاح” و مؤدب التلاميذ”، لكن ما” يحدث الآن نقيض المطلوب، هنالك طغمة من أفراد وكيانات وهمية تجر الشعب السوداني للعهد الذي خرج منه بالارهاب الدولي وتصر على فرض الخيارات والتهديد بالاستئصال.
المهم، أن السؤال الأخطر، هل هذا وقت مناسب لثورة شعبية؟ نحن في خواتيم حرب وانتشار سلاح؟ والاسلاميين أنفسهم لا يتحدثون عن هذا الأمر والارجح أنهم لا يرغبون فيه. نعم، صحيح، التنظيم الموجود تجربته تأثرت بالعهد اللاوطني وصار هو نفسه أقرب للتفكير بالوسائل التي ازدهرت فيه، وللغرابة -رغم هذا- الطغمة ترغب في استئصاله بالاستدراج بقسمته إلى جزء مع الأوراق وآخر ضده، لتكون تذكرة الدخول في الطغمة هي الرضا بضرب أخيه، وهذا تلاعب مفضوح يرجح فشل الاصلاح بكل أسف.
التحولات التاريخية لا تستأذن أحدا، ولا تتم بتخطيط مسبق وستجد الكيانات السياسية كلها، إسلامية أو غيرها، أمام الاختيار بين الشعب و”الأوراق”.
لا تعارض بين انتشار السلاح والثورة الشعبية لانها قد تكون مسلحة حتى وإن كرهنا ذلك، وقد تكون سلمية بظهور مرجعيات مدنية بين مسلحين أصلا موجودين، وهذا يشبه ما عبرت عنه بالكيان السياسي المدني لتحالف المنتصرين، وعندها يكون دور السلطة فرض الواقع الثوري، ولكن الخارج يعمل ليل نهار لادخال المهزومين في التحالف واخراج بعض المنتصرين منه، والخلاصة: تعطيل هذا الحل.
الأشكالية أنه في حال فرض “الأوراق” خارجيا سيستخدم إنتشار السلاح للاستئصال وهذا يساوي في الخسائر بين خيارات اندلاع الثورة الشعبية أو فرض المتبقي من مشروع الاحتلال، كلا الخيارين سيهرع للسلاح فور بدايته الرسمية.
للأسف، هذا الضغط الخارجي لمنع التيار الاسلامي مجددا وإجبار الجيش على الاختيار بين تنفيذ الاقصاء أو معاقبة الجيش نفسه وربما التدخل العسكري الأجنبي السافر (وليس مجرد تسليح ومرتزقة)، هذا التعنت يحيل الأمر للشعب أو جيل الشباب تحديدا، إما أن يعبر عن نفسه أو يذعن للاحتلال الذي خسر الكثير جدا لايقافه، فالجيش قام بواجبه النظامي كاملا وزيادة. ومع رفض حراس العهد اللاوطني “الطغمة السياسية” انهاء دورهم بالاصلاح ينفتح الشعب نحو التغيير، وللغرابة قد يبدأ في مناطق انتشار المليشيا، لأن احتمال الاصلاح هنالك منعدم تماما بينما في مناطق سيطرة الحكومة لا تزال توجد مساحة في التفكير المنطقي والتردد، وتتناقص هذه المساحة كلما ذهبت لجيل الشباب أو كهول الميدان.
الخلاصة أينما بدأ التغيير سينتشر مثل النار في الهشيم وسيفاجيء الجميع.
قلتها من عهد البشير كثيرا، وحتى في عهد قحت، أنا مع الاصلاح وليس التغيير، ولكن الاصلاح هو التفاف على التغيير، واذا تم الالتفاف على الالتفاف ذاته، سيضعك في اتجاه التغيير مجددا، وهذا ما تجتهد الطغمة السياسية المؤيدة للاحتلال فعله، فرض أوراق مزيفة تزعم أنها تسوية واصلاح سياسي وعسكري على الجيش والشعب.
مقال يوليو 2023 في الرابط

مكي المغربي