رأي ومقالات

إبراهيم عثمان يكتب: النسبية: حرية أم زنزانة منطقية؟

* خالد عمر يوسف عن رفاقهم الذين اعلنوا انضمامهم للحرب مع الميليشيا: (مع كامل الاحترام لرفاقنا من التيار الآخر، فهذه تقديراتهم التي قد تصيب وقد تخطيء، لكننا نعلم صدقهم في حمل رؤى السلام والوحدة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، اختلاف التقديرات حول قضية ما ليس مدخلاً للعداء ..)

العودة النقدية التفصيلية لهذا الاقتباس تكشف عن حجم مأزقه المنطقي. فإذا حاولنا استكشاف طبقاته وما يلزم عنه، دون الوقوع في خطأ التحامل وفرط القراءة، او خطأ المجاملة والتغاضي، سنجد أن القول يدخل قائله في زنزانة منطقية متعددة الأسوار، محكمة الإغلاق، يزداد إحكامها بتفعيل المنطق نفسه لا بمعاكسته!

بهذا القول وضع خالد ثلاث قواعد للتعامل مع الانضمام للميليشيا: تعليق الحكم بصوابه او خطئه، تجميله بالنوايا الحسنة، وإخراجه من مسببات العداء:
١. يلزم منطقياً عن هذا أن الميليشيا نفسها “لا تستحق العداء”، وإلا لاستحقه المنضمين إليها، وإن بدرجة أخف في البداية، وتتصاعد مع تصاعد انخراطهم معها!
٢. لا يمكن للانضمام للميليشيا أن يكون “تقديراً قد يصيب أو يخطئ”، إلا إذا كان “سلوك الميليشيا” نفسه تقديراً قد يصيب أو يخطئ، هذا لازم منطقي لا مهرب منه!
٣. إذا كانت القواعد عامة، فهي تنطبق على الجيش وداعميه أيضاً. أما تعطيلها فيكشف أنها صُممت لصالح الميليشيا ومعسكرها فقط!

٤. تلغي القواعد الفارق بين المنضمين علناً للميليشيا والباقين في “صمود”، وتجعل مواقفهم المعلنة مجرد آراء نسبية متكافئة من حيث احتمال الصواب والخطأ!
٥. لا يمكن للانضمام أن ينسجم مع “الصدق في حمل رؤى السلام والوحدة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية”، إلا إن كانت الميليشيا نفسها مشمولة بهذا الصدق، فبغير ذلك يتحول إلى دعوى فارغة ينقضها الانضمام!

٦. استحضار حسن النية في لحظة الانضمام للميليشيا لا يجمل فعل الانضمام، بقدر ما يشكك في حسن نية القائل وفي صدق إيمانه بالسلام والوحدة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، أو يثبت سوء تعريفه لها!

٧. سبق لخالد عمر أن قال تعليقاً على دعم الجيش: (هو دا الفتنة، هي دي البتعمل الفتنة، دي البتعمل الفتنة إنو القوى المدنية تصطف مع أي طرف من طرفي القتال). وهنا نلاحظ الإطلاق وتجنب النسبية!

٨. ونلاحظ أيضاً محاولة “تقوية” هذا الإطلاق “بتعميمه” على الطرفين! وهو تعميم شكلي ومجاني وخادع لأنه حتى ذلك الوقت لم يكن هناك طرف قد أعلن انضمامه للميليشيا. وهنا يظهر بوضوح “ازدواج المعيار” حتى في عبارة توهم بتوحيده!

في مقابل هذه السيولة والنسبية تجاه الميليشيا ـــ وهي ليست موقف خالد عمر وحده فقد تبناها عدد من زملائه ــ نجد أن منطق داعمي الجيش واضح وصلب: “الانضمام للميليشيا خطأ، وتعليق الحكم عليه خطأ آخر، ولا يحدث إلا بنسبية متواطئة تنتقل إلى أصحابها وتجعل “حكمهم” على مواقفهم هو إنها بين الصواب والخطأ! وهذا أدى إلى “الهزيمة المنطقية” المسبقة لجماعة “تقدم/ صمود”، وقد اوقعتهم فيها النسبية التي أرادوها مهرباً فكانت دخولاً في الزنزانة المنطقية، دون أن يعترض أي منهم، أو يطرق باباً للخروج!

إبراهيم عثمان