من تشرشل إلي لينين إلى حوارنا:
من الذي وصف لينين بعد وفاته بخمسة أعوام وقال عنه:
“كان عقله أداةً مميّزة. وعندما أضاء، كشف العالم كله بتاريخه وأحزانه وحماقاته وزيفه، وقبل كل شيء مساوئه. كشف كل الحقائق بتركيز شديد – أكثر الأشياء غير المحبّبة وأكثر الأشياء الملهمة – بموضوعية متساوية. كان ذهنه رحبًا، وفي بعض المراحل رائعًا. كان قادرًا على الفهم الكلي بمستوى يندر أن يصل إليه أحد من البشر.”
لم يصدر القولُ أعلاه من الصديق عصام علي عبد الحليم، ولا من مختار الخطيب ولا من صديق يوسف. ما أعلاه قاله في لحظة صفاء وأمانة أعدى أعداء لينين وأكبر كاره للشيوعية والاشتراكية، السيد ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا الأشهر.
حين قرأت النص، تبادر إلى ذهني حال الحوار السوداني، حيث لو ذكرت أي كوز أو عدو رسمي ولم تشيعه باللعنات، استنتج القراء أنك تشاركه فكره وأهدافه وانك كوز سري. لا يمكن ذكر كوز بنص وصفي أو تحليلي بارد إلا وانفتح الذاكُرُ على اتهامات مهدرة للزمن والمساحة. هكذا حُكم علينا بأن نكون شعبًا لا يعرف عن خصمه إلا ما يصلح للشتيمة وتقليل القيمة، لننتهي إلى خانة لا نعرف فيها أهم ميزات الخصم، ويضعف معها فهمنا لأنفسنا، وهكذا تصير الهزيمة الفكرية والسياسية حتمًا.
لا يدرك الكثيرون ماذا نخسر حين يصبح الوصف البارد للخصم جريمة في الحوار السوداني. لماذا حكم علينا بتذكير من نعرفهم عقودا طويلة كل يوم بموقفنا من هذه الأيديلوجيا أو تلك. يا لإهدار الزمن بالخطاب الدفاعي الساعي لإنكار التهم الجاهزة قبل أن يتم صرفها من القريب قبل البعيد.
ثم يضاف النفاق إلي ضيق الأفق لأن الإشارة لما قاله ميلتون فريدمان لا يقود إلي استنتاج أن المشير نيوليبرالى كما أن ذكر فوكو لا يعني أن النص غير الشاتم دليل علي ما بعد-حداثية ولا يعني الإستشهاد بالسيد المسيح أن القائل تنصر.
كيف تحدث الهزيمة الفكرية؟ عندما نحرم أنفسنا من فهم الآخر ونكتفي بحفظ سوءاته الحقيقية والمصنوعة ظهر قلب.
