أزمة عابرة للحدود

شارك السودان منذ سنوات طويلة في الكثير من الجهود الاقليمية والدولية لمكافحة الهجرة غير النظامية، وفي سبيل انجاح هذة الجهود قدمت المنظمة الدولية للهجرة والتي تأسست في العام 1951م ، قدمت دعما للسودان في العديد من المجالات مثل بناء القدرات ، مكافحة الاتجار بالبشر ، وتطوير التشريعات والقوانين، وتدريب الكوادر الوطنية، لكن ظل تنظيم الهجرة في حد ذاتها محل بحث ودراسة في القانون الدولي مع تزايد الحاجة الدائمة للتعاون الدولي لمواجهة التحديات المتزايدة.
يوافق الثامن عشر من ديسمبر من كل عام يوم المهاجرين للوقوف علي حقوقهم حول العالم وهو اليوم الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 4 ديسمبر عام 2000 م، للاهتمام والاحتفاء وتعزيز حقوق المهاجرين ، والذي أتى هذا العام وسط أزمة الحرب في السودان والتي تشكل تهديداً قوياً لتفاقم مشكلة الهجرة غير النظامية وزيادة عدد الضحايا الذين يفقدون حياتهم أثناء المحاولة للوصول للضفة الأخرى بحثا عن حياة أفضل.
والهجرة معروف أنها ظاهرة بشرية متنامية وقديمة ترتبط بسعي الإنسان نحو تحسين وضعه وظروفه المعيشية ، والهجرة القانونية التي تتم باجراءات قانونية محددة وفقاً لاتفاقيات دولية تنظم انتقال الأفراد بين الدول والمجتمعات الإنسانية تأخذ وقتا في الاجراءات، نتيجة لذلك ظل لجؤ الكثيرين للهجرة غير النظامية وهو قرار شديد الخطورة إلا أنه الأسرع في التنفيذ.
أضف إلى ذلك شبكات التهريب المنظمة التي تلعب دوراً محورياً في زيادة عمليات الهجرة غير النظامية بكل ما فيها من مخاطر وانتهاكات بشكل أوسع ومستمر .
وقد جعلت الحروبُ الهجرة غير النظامية خياراً استراتيجياً للكثيرين بحثا عن حياة آمنة وظروف معيشية أفضل ، لذلك كانت أغلب الآراء الفقهية للحد من الهجرة غير النظامية هي إيقاف الحروب، وتوفير حياة أفضل بسلام وأمان ، وتوفير فرص عمل وإصلاح الاقتصاد ، ومحاربة الفساد وتنمية التعليم ؛ كل هذة النقاط تقلل الهجرة غير النظامية .
السودان في مسألة الهجرة غير النظامية يمثل الآن دولة منشأ ودولة عبور، نسبة لمساحته الجغرافية الشاسعة وحدوده المفتوحة واضطراباته الأمنية التي جعلت منه نقطة عبور رئيسية للهجرة غير النظامية ، وزادت عمليات الاستغلال والعنف والاحتجاز وعدد من صور الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها المهاجرون، لذا كان سعي القانون لمواجهة تحدي شبكات التهريب المنظمة، بدلا من استهداف المهاجرين انفسهم ، والذين يحتاجون في أغلب الأحيان إلى حلول إنسانية وحماية قانونية.
في المقابل لابد أن تراعي دول المقصد سياسات لجوء عادلة وسريعة وعدم استخدام التعسف والإجراءات القاسية لمن يقصدها لاجئاً أو مهاجراً بما يتوافق مع حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي والحريات الأساسية.
إن واحدة من أخطر تأثيرات الحرب في السودان هي قضية (الهجرة غير النظامية) وهذا ما قصده الدبلوماسي الأميركي كاميرون هدسون حينما تحدث عن الحرب في السودان ضمن مداخلته في جلسة مجلس الأمن التي خصصت للوضع في السودان يوم الأثنين الماضي ، فـكاميرون هدسون باحث مختص في الشؤون الأفريقية و مسؤول سابق بالمخابرات المركزية الأميركية (CIA) وكان قد عمل بوزارة الخارجية الأميركية مديراً لمكتب المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، إلى جانب عمله كمدير للشؤون الأفريقية في مجلس الأمن القومي بالبيت الابيض منذ العام 2005 إلى العام 2009 م ، وبالتالي فإن الرجل يمتلك خلفية سياسية وبحثية وأمنية ثرة عن السودان تمكنه من الحديث بواقعية ووضوح.
هدسون تحدث عن خطورة الحرب في السودان وآثارها على العالم ، كما أشار إلى تورط جهات خارجية وشركات أسلحة تمول المليشيا وتمدها بالسلاح والعتاد مطالبا مجلس الأمن بالتحرك العاجل لوقف التدخلات الخارجية.
اشار هيدسون الي “الامارات” التي استخدمت ثروتها ونفوذها السياسي عبر القرن الافريقي خلال العامين السابقين لنقل الاسلحة للمليشيا عبر أكبر عملية جسر جوي عسكري وأكثرها اتساعا ، حيث شاركت فيها ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطي وجنوب السودان ومنطقة بورتلاند الصومالية، وكذلك جلب مئات المرتزقة الكولومبيين عبر شبكة معقدة من الشركات الوهمية لتكون غطاء رقيقا يسهل انكارها فيما بعد ، مما أسهم في تعزيز وتطوير أسلحة وعتاد المليشيا وتمكينها من ارتكاب فظائع وانتهاكات “، اتهم المليشيا بارتكاب جرائم حرب في الفاشر مثل التطهير العرقي وقتل المدنيين وحرق جثث البعض منهم “كما دعا إلى إتخاذ إجراءات قانونية حاسمة ضد المتورطين ، ونبه إلى الأوضاع الانسانية القاسية في المدن المحاصرة الآن ، مما أدى إلى زيادة معدلات الهجرة غير النظامية من السودان ومن دول مجاورة له “، انتهي حديث هدسون.
إن تورط دولة الإمارات في دعم وتمويل المليشيا الإرهابية لتأجيج الحرب في السودان لا جدال حوله، بل كثرت الأدلة والبراهين وشهود العيان وتحليلات السياسيين والاعلاميين والقانونيين من كل مكان ، ونقلت وسائل إعلام عالمية ووطنية ومنصات التواصل الاجتماعي أحداث ووقائع حقيقية وجرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية من أرض الميدان للعالم أجمع ، لم يتبق إلا أن ينطق الحجر بأنها مليشيا ارهابية مجرمة قاتلة ، فماذا ينتظر العالم لتصنيف المليشيا جماعة ارهابية؟؟ ، متي يتحرك المجتمع الدولي لتجريم الإمارات لدعمها الارهاب وتأجيج الحرب في السودان وما ترتب عليها من جرائم بشعة وفظائع وحشية وانتهاكات صارخة للقانون الدولي ؟؟
هل الحديث عن الهجرة غير النظامية سيحرك أوروبا خوفا من المهاجرين الذين يقطعون البحر نحوها فراراً من الحرب؟
للحرب في السودان انعكاسات وتأثيرات طويلة الأجل سيكتشف العالم أن المماطلة و التسكع في إيقافها والبحث عن أنصاف الحلول والمواقف الدبلوماسية الرمادية وبيانات الشجب الباردة، كانت جريمة في حد ذاتها، و أن ارتدادات الحرب الكارثية لن تتوقف على السودان وحده أو دول جواره أو حتى علي أفريقيا ، بل ستؤثر علي العالم اجمع .
د. إيناس محمد أحمد






