الدب.. حميدتي لعبة الوداعة والمكر

الدب في الحقيقة، حيوان مفترس قوي وخطر في بيئته الطبيعية، لكنه في الثقافة الإنسانية تحوّل إلى رمز للحب والحنان والبراءة، وخصوصاً في شكل “الدبدوب” أو Teddy Bear.
هذا التحول لم يحدث صدفة، بل وراءه مجموعة من العوامل التاريخية والنفسية والفنية: فقد أعاد الإنسان رسم صورة الدب حتى صار “الدبدوب” صديقًا للأطفال لا خطرًا عليهم، وارتبط اسمه بالعطاء لا بالافتراس، وبالدفء لا بالقوة.
القصة بدأت في الولايات المتحدة عام 1902، حين رفض الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت (المعروف بتيدي) أن يطلق النار على دب صغير في رحلة صيد، لأنه رآه مربوطاً ولا يستحق القتل.
الصحف نشرت القصة كرمز للرحمة، فصنع أحد أصحاب المحلات لعبة على شكل دب صغير وسمّاها Teddy’s Bear تكريماً له. ومن هنا انتشرت اللعبة وأصبحت رمزاً للعطف والودّ، لا للعدوان.
وهذا بالضبط ما حدث مع حميدتي، فقد صُوّر للناس على أنه رجل بسيط من عامة الشعب، يتحدث بلغة قريبة من القلب، يوزّع الخير ويهتم بالفقراء، ويبدو في أحاديثه كـ”دبدوب” سياسي لا يعرف المكر ولا الصراع.
صُنع له وجه إنساني مُتخيَّل، تمامًا كما صنع العالم للدب وجهًا لطيفًا لا يشبهه في شيء. لكن خلف ذلك الوجه الطيب، كانت هناك مخالب حقيقية تُخفيها الابتسامة.
فبينما انشغل الناس بتصويره راعيًا للأعمال الخيرية، كان ينسج خيوط مؤامرته في الظلام، ويُحكم اتصالاته الخارجية، ويؤسس لقوة موازية داخل الدولة تتغذى على ضعفها وتكبر على حسابها.
كان يُتقن التمثيل كما يُتقن المفترس التخفي قبل الانقضاض. لقد عاش حميدتي، كما عاش “الدبدوب” الرمزي، في مساحة الوهم التي صنعها الآخرون له؛ مساحة تجعل الوحش محبوبًا، والخطر مألوفًا، والمكر مغطى بثوب البساطة والطيبة.
لكن الثمن الذي ندفعه لهذه اللعبة لعبة الوداعة و المكر ليس ترفًا ولا مزحة، بل الوطن بأكمله. فبينما كنا نحدّق في وجه مبتسم وبسمة ودودة، كانت المخالب الخفية تنهش في أعماق مؤسسات الدولة، والمكر ينسج شبكته في الظلام. لقد عشنا وهم البساطة والطيبة، لكن الواقع كان مكلفًا، وغاليًا جدًا: قوة موازية، وطن ممزّق، ومستقبل يُكتب بثمن ابتسامة زائفة.
25 ديسمبر 2025م

✍️ عمر محمد عثمان






