منصور الصويم

حلة “الفيس بوك”

[JUSTIFY]
حلة “الفيس بوك”

يحكى أن العالم في مرحلة ما من مراحل تطوره الحضاري في زمنه الحديث، زمن الطفرة الصناعية الأوروبية وما أعقبها من طفرة حضارية أمريكية أبرز سماتها الثورة المعلوماتية، في هذا الزمن (الحضاري الإنساني الحداثي)، وربما في بدايات تكونه وانفتاحه وتداخله وتقاطعه؛ أطلق أحدهم على هذا العالم اسم القرية الكونية استدلالاً بما حققته ثورة المعلومات في بدايتها من تقريب للمسافات وتقليص للجغرافيا (في معناها الذي يحجز أو يحجب).. ثم جاء آخر بعد مطلق تسمية (القرية الكونية) ليطلق على العالم اسم الغرفة الكونية إمعاناً في المبالغة الوصفية بعد الذي أحدثته الثورة المعلوماتية (منتجة العولمة) من قتل (حقيقي) للحدود الجغرافية، وهتك (حقيقي) لما كان يسمى بسرية المعلومة أو قدسيتها أو حتى أهميتها، فالعالم الآن عبر الفضاء والإنترنت وكافة أشكال الميديا الحديثة صار بالفعل أقرب للقرية الصغيرة أو المدينة (يعني أشبه بالخرطوم بنقائضها تريف وتمدن).
قال الراوي: ربما أكثر تمظهرات القرية الكونية دلالة على تقلص العالم بمحيطاته الشاسعة وقاراته المتباعدة هو ما تقدمه شبكة الإنترنت من خدمات تكبسل كل شيء (معلومة أياً كان شكلها – ثابتة متحركة صورة وثيقة أو شمار سااااي)، وجعله حاضراً عند متناول الرؤية والذهن بمجرد الولوج لهذا العالم المدهش، الذي فاق كل مبتكرات البشرية إبداعاً في سبيل التقارب والمساواة والحضور، إلا أن أكثر مبتكرات الإنترنت إدهاشاً وروعة وقدرة على تفعيل الحضور الإنساني عند أسمى محركاته ودافعاته (الحرية)، هذا الحضور المذهل بتبدى ويتشكل عبر أنموذج التواصل الإنساني الأكثر حداثة عند صفحة (الفيس بوك).
قال الراوي: ما يهمنا هنا أن الفيس بوك صار يمثل متنفساً ورئة سليمة للكثيرين من شباب السودان (بلدنا)، حيث أصبح وسيلة التواصل الأولى بين الشباب (المتعولم)، متفوقاً في شعبيته على كافة صور وأشكال التواصل الأخرى؛ وليدة الثورة المعلوماتية (موبايلات، إذاعات إف أم، وفضائيات رسائل الإس أم أس وغيرها)، فعند الفيس بوك الآن يتم التواصل بين سودانيي الداخل وسودانيي الشتات (من مصر والخليج حتى كندا الثلجية)، بيسر وسهولة ونعومة وكأن الجميع موجودون في حلة واحدة، والفيس بوك عندهم بمثابة دكان الفول أو عمود النور أو ركن أي بيت من بيوت الحلة للتلاقي والونسة ونقل الأخبار و(الشمارات)؛ وبالطبع الجيد من المعلومات بالتأكيد هناك بعض (الخستقات والصعلكات)، يعني زي أي حلة.
ختم الراوي، قال: على الفيس بوك يمكنك الآن أن تلاقي أبناء شقيقك أو شقيقتك (أو أيا من أحبائك)، بذات المدينة (الظالمة) الخرطوم، يمكنك أن تلتقيهم يومياً وساعة بساعة، بعد أن حرمتك الخرطوم (الظالمة) من (شوفتم) إلا كل شهر وقيل ثلاثة شهور.
استدرك الراوي، قال: الحب والشكر لشيخ الحلة الشرتاي مارك جوكر بيرج.

[/JUSTIFY]

أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي