زهير السراج

الــغــول

[ALIGN=CENTER]الغول …!![/ALIGN] تفكير وزارة التربية والتعليم باستبدال امتحانات شهادة الاساس بنظام التقويم المستمر فكرة صائبة تماما ، اذ اكدت التجارب فى كل الدول التى ألغت نظام الامتحان الواحد ولجأت الى نظام متكامل يعتمد بشكل أسا سى على اعمال السنة الدراسية والاختبارات والبحوث التى يقوم بها الطلاب بمساعدة مدرسيهم واسرهم ، بالاضافة الى الحضور الايجابى للدروس والانشطة الاخرى …إلخ ، انه الافضل من جميع النواحى لتطوير مستوى الطالب وزيادة نسبة تحصيله واقباله على الدراسة وشحذ همته وتوسيع فرص اختياراته المستقبلية… إلخ، هذا من جانب !!
من جانب اخر ، يتيح هذ النظام فرصة افضل للتقييم المستمر والصحيح والموضوعى للطالب ، واكتشاف الاخطاء وتصحيحها فى الوقت المناسب ، بدلا عن الانتظار وقتا طويلا ، لا يجدى بعده فعل شىء !!
بعيدا عن الدول المتقدمة التى تنتهج منذ وقت طويل نظم تعليم متقدمة ، وليس هنالك مجال للمقارنة بيننا وبينها ، على الاقل بسبب فارق المستوى والامكانيات ، فان كل الدول النامية التى تنتهج نظام التقييم المستمر ، بالاضافة الى تطوير المناهج بشكل مستمر وتلقائى لتنسجم مع متطلبات الحياة ومتغيراتها المستمرة ، تتقدم بخطى حثيثة نحو الاعتماد على نفسها بشكل افضل وايجاد مكان لها بين الدول المتطورة ، بينما الدول التى تتمسك بالانظمة القديمة والمناهج العقيمة ، تتراجع كل يوم ، وتجعل من نفسها لقمة سائغة لغول التخلف والهيمنة الخارجية ، والمثال الواضح امامنا هو دول مثل ماليزيا وكوريا الجنوبية والبرازيل التى صارت من القوى الاقتصادية الكبرى، ولم يكن ذلك بسبب موارد هائلة او شعارات سياسية ، وانما باعتماد انظمة تعليمية ومناهج دراسية متحررة ومتطورة وازنت بين احتياجات المجتمع والمواطنين وبين التحديات المحلية والخارجية واتاحت التعليم المجانى فى مراحله الاساسية حتى نهاية المرحلة الثانوية، ووسعت فرص التعليم العالى الجيد بشقيه الاكاديمى والفنى ، وفى المقابل فان المثال المعاكس هو دول منطقتنا العربية والافريقية التى حاصرت التعليم فى قوالب جامدة وكبلته بالمصروفات المرهقة التى لا يقدر عليها الا الاغنياء والمقتدرون ، وهى كثيرة ومتنوعة منها على سبيل المثال الرسوم المدرسية ورسوم الدروس الخصوصية التى لا يمكن لطالب يرغب فى مواصلة تعليمه العالى او الحصول على فرصة تعليم جيد الا باللجوء اليها تحت ظل الاهمال وعدم الانضباط وضعف المستوى فى المدارس الحكومية !!
لدى قناعة لا يتسرب اليها الشك ، هى ان السبب الرئيسى لتخلف مجتمعاتنا هو انظمتنا التعليمية ومناهجنا المتواضعة التى تهتم بالكم والحفظ والتلقين على حساب شحذ الهمم وتطوير المهارات والقدرات وتنمية روح البحث والاكتشاف والابتداع ، وتتمسك بافكار وقوالب جامدة عفا عليها الزمن، ولابد ان نفكر بجدية فى التخلص منها واستبدالها بافكار وانظمة تنسجم مع المتغيرات الداخلية والخارجية وتخاطب العقل وتستحثه على التفكير والابتداع بدلا عن ممارسة التخزين والتفريغ !!
ولكن يجب ان نفعل ذلك بترو ونظرة شاملة تستصحب اراء المختصين وتجارب الدول الاخرى وتنأى عن المصالح السياسية والحزبية والشخصية والانفراد بالقرار !!
كما يجب ان نضع فى اذهاننا ان الافكار الجديدة تصطدم فى معظم الاحوال بانصار القديم والحرس الحديدى ، ولا بد ان نتعامل مع هؤلاء بمنطق الحجة والاقناع ، فنحن فى حاجة الى اعتراضاتهم وارائهم وتجاربهم للوصول الى نظام يتوفر له اكبر قدر من الحوار والرأى والرأى الاخر لينشأ بأقل قدر من الاخطاء والسلبيات !!
التعليم الجيد هو الطريق الى التطور والاعتماد على النفس واحترام الاخرين ، وبدون مناهج جديدة وانظمة جديدة ومجانية حقيقية وبنية اساسية جيدة وكوادر مؤهلة ، لن يكون لنا تعليم جيد ومستقبل جيد، وسنظل فى معركة خاسرة مع غول التخلف الذى نصنعه بايدينا ونحميه بكل ما اوتينا من قوة !!

drzoheirali@yahoo.com
مناظير – صحيفة السوداني – العدد رقم: 1207 2009-03-23

تعليق واحد

  1. أوجزت ووفيت … موضوع مهم للغاية و رأيك صائب الى حد كبير …. لتنفيذ مثل هذا الأمر نحتاج لخبراء و مفكرين لديهم القدرة على صياغة منهج تربوى تعليمى يلحقنا بالأمم المتقدمة … اصحاب الشعارات يمتنعون ….. جزاكم الله عنا كل خير أخى الحبيب زهير .

    حاج أبكر صالح كاورشة