كرت أخضر
يعد الوالي الأسبق محمد يوسف كبر من أعرق وأرسخ الولاة بإقليم دارفور، وبرغم أني لم أتعامل مع الرجل كفاحاً إلا أني أحتفظ له كما الكثيرين من على البعد (بصورة مشرفة) ومثابرته تتصدر في كثير من الأحيان نشرات الأخبار ومنشيتات الصحف، وهو يفتأ يضمد الجروح التي تخلفها (نضالات الحركة المسلحة)، ويفتأ يرقع فتق الحروبات القبلية.
ومن تراجيديا ومفارقات أدب السلطة في دارفور، قيل إن الدكتور خليل إبراهيم مؤسس حركة العدل والمساواة هو أول من اكتشف قدرات الأستاذ كبر، لما كان الأول وزيراً للصحة والثاني رئيساً لإحدى المحليات، ففي ذات منشط سياسي حافل التمع نجم السيد كبر إدارياً وخطيباً ناضجاً، فما كان من الدكتور خليل إلا أن أوصى بأن يستفاد من خبرات الرجل..
هكذا تطورت مقدرات الرجل كبر وتعددت وكبرت وهو يترقى من وظيفة إلى أخرى حتى بلغ درجة والي ولاية شمال كردفان، ومن يومها لم تزده الأيام والأحداث الجسام في الإقليم المضطرب إلا ثباتاً وصموداً وحكمة..
أسوق هذه الحيثيات بين يدي حملة ضارية ضد الرجل كبر، وإن تولى كبر هذه الحملة الرجل العشائري الأشهر موسى هلال إلا أن هنالك جيوباً متعددة الأجندة والتوجهات قد ركبت تلك الموجة للتخلص من الوالي الأشهر، الذي مهما قيل فيه إنه كان ولا يزال بمثابة حائط صد هائل لمناهضة أجندة المخربين.
أخشى والحال هذه أن يذهب الرجل الكبير كبر إلى خارج السياق على إثر قرار جمهوري متعجل نظراً للضغوط الهائلة التي تحمله تداعيات الأحداث الأخيرة، وإن كان لا محالة فاعلين، أعني إن كان لابد من رحيل الرجل عن سدة الولاية، فليكن رحيلاً مشرفاً يليق بتجربته وخبرته وبلائه الحسن، كأن يرفع السيد كبر إلى وظيفة مشرفة هنا بالمركز، وإن لم يكن ذلك لإكرامه، فليكن للاستفادة من خبرته التراكمية في التعامل مع قضايا الإقليم.
بل لماذا والحال هذه لا تشكل (مجلس حكماء دارفور) من مجموعة كوادر مصقولة بوزن الرجل كبر، لتصبح مرجعية وبمثابة (معهد دراسات إستراتيجية) عن قضايا الإقليم.
ومن القطعيات والقناعات التي بلغها السيد كبر في أزمة إقليم دارفور هي ما امتلك الجرأة ليصدح بها في أكثر من مكان وزمان وهي قوله (لم يكن بمقدورنا أن نسجل اختراقاً ذا بال لأزمة إقليم دارفور إلا بعد أن تكون الدولة أقوى من المجتمع والحركات المسلحة).
لطالما تسوَّر الرجل كثيراً وتمنطق حول ثقافة تعظيم (هيبة الدولة وغرضها)، وبطبيعة الحال أن هذه المقولات الرصينة ستضاعف من أعداد أعدائه لطالما امتهن الكثيرون تجارة الاضطراب والفوضى، واعتاش آخرون من عمليات (صناعة الحركات المسلحة) التي تفتح باسمها الحسابات في بنك المنطقة والعالم وتتدفق على إثرها سيل الدولارات كما لو أن الرجل بهذه المعالجات الباهظة يسير عكس ركائب الآخرين.
أطربني كثيراً أن ينتقل القصر الجمهوري ممثلاً في نائب الرئيس الأستاذ حسبو محمد عبد الرحمن إلى الإقليم بكل صلاحياته، وأن يكون حكم المباراة قريباً من الحدث يؤهله إلى أن يشهر البطاقة الصاح في التوقيت الصاح، وبطبيعة الحال أن بيد معالي النائب حسبو (كروتاً حمراء) سيشهرها لا محالة في وقتها، ففي المقابل إن كرتاً أخضر نضيراً يجب أن يكون من نصيب الأستاذ كبر والكبير كبير، والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.
[/JUSTIFY]ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي