أبشر الماحي الصائم

مرمي البصل.. يرفعه البصل

[JUSTIFY]
مرمي البصل.. يرفعه البصل

*يلاحظ الذين يتابعون هذه الزاوية انغماسها كلياً في الفترة الأخيرة في العملية الزراعية، ذلك لقناعة منا لا تتزحزح في أن كل حلولنا ومخارج دولتنا السودانية تكمن في الحقول الزراعية، سيما أزماتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وإن شئت قل حتى الفكرية.
*وعلى سبيل المثال، لمَّا كان سعر جوال البصل يتربع بامتياز على تلة الستمائة ألف جنيه، لم تكن هذه يومئذ أزمة اقتصادية فحسب، بل كانت أيضاً أزمة اجتماعية ومأزق فكري وسياسي بامتياز، فكيف لحكومة وحزب حاكم جاء من أول يوم على متن شعار (نأكل مما نزرع) يفشل في السيطرة على أسعار البصل ويعجز في كثير من الأوقات في توفير البنضورة بأسعار في متناول يد العامة!
*هنالك الآن أزمة أخرى يرزح الآن تحت وطأتها المزارعون وبطلها أيضاً هو (السيد البصل)، فلما ارتفع سعر محصول البصل عالمياً جداً سارع كثير من المزارعين للحاق (بمونديال البصل)، ولما خرج إنتاجهم إلى الأسواق كان البصل قد تدحرج من الستمائة ألف إلى الستين ألف جنيه!
*وفي هذه الحالة إذا قمت بعملية حسابية بسيطة عن كلفة الزراعة والنظافة وعمليات الحصاد ثم الخيش، ستجد أنها تفوق مبلغ الستين ألف جينه، السعر الحالي لجوال البصل!
*وهذه المتوالية تكاد تعيدنا إلى جدلية الشهيد الزبير محمد صالح مع مزارعي القمح على أيام الإنقاذ الأولى، ذلك لما هتف نقيبهم ذات يوم زراعي هائل: “تلت للزبير وتلت للإسبير وتلت للطير والمزارع فاعل خير”، قال لهم الشهيد يومئذ (تلت الزبير لغيناه) وهو يعني الضرائب الحكومية.
*يحتاج المزارع إلى بعض الحماية حتى لا يعرف عن الزراعة، فالذي تدحرج به البصل إلى هذا الدرك السحيق لن يحدث نفسه مرة أخرى بالاقتراب من هذا المحصول، وأعني هنا المزارعين الطارئين على زراعة البصل.
*أما مزارعو البصل الدائمون والمداومون على زراعة ولا يزرعون شيئاً سواه لا خوف عليهم ولهم شعار ثابت لا يجيدون عنه يقول (مرمي البصل لا يرفعه إلا البصل نفسه) لا بديل للبصل إلا البصل، وأشهر هذه المناطق التي عرفت بهذا المحصول هي محلية شندي شمالاً وجنوباً.
*غير أن التدخل الحكومي الذي أعنيه يكمن في ثقافة (الصناعات التمويلية) فليس محصول البصل وحده ما يحتاج إلى مصانع، فهنالك كثير من المحصولات التي تتلف بين أيدينا في مواسم إنتاجها، وذلك مثل الطماطم والتمور والموز والليمون وغيرها كثير.
*هذا ما يعرف بـ (أدب التسويق) وهو عملية مهمة من عمليات استدامة الإنتاج، فبقدر ما أن ارتفاع الأسعار يفاقم الأمر على المواطنين، ففي المقابل إن انهيار الأسعار هو الأخط، إذ يخرج المزارع مباشرة من العملية الزراعية والخاسر الأكبر هو الاقتصاد الكلي.
*ومن اختلالات العملية الزراعية والتسويقية أن يصبح (السبابة) والسماسرة أكثر استفادة، على أن السماسرة والتجار الذين ينامون كل شهور الزراعة ويستيقظون أيام الحصاد، يربحون أكثر من الذي يسهر الليالي ويقوم كل النهارات تحت لهيب البرد ولسعاد الشمس!
*يفترض أن جهة تسمى بـ (التخطيط القومي الإستراتيجي) هي من يضع خطة متكاملة لاحتدام عمليات الإنتاج الزراعي، على أن يكن المزارع محور اهتمامها.
*فإذا ما تركنا المزارع عرضة لأمراض الملاريا وانعدام الرعاية الصحية والتعليمية له ولأسرته، فإنه لا محالة سيرمي طوريته ويلتحق بأقرب مدينة، والمدن في المقابل جاهزة عبر صناديقها السكنية لتوفير المأوى لكل ضيوفها.
*ولا تنسوا أن مرمي البصل لا يرفعه إلا البصل !
والسلام

[/JUSTIFY]

ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي