الطاهر ساتي

سؤال ساكت


[JUSTIFY]
سؤال ساكت

:: قراقوش، أشهر حكام أيام زمان، وصاحب أغرب الأحكام القضائية في تاريخ البشرية.. يُحكى أنه قرر توزيع بعض أموال الدولة على ذوي الحاجة من رعيته سنوياً، وجاءته ذات عام إمراة مات زوجها ولم تجد ثمن الكفن، وكانت الأموال قد تم توزيعها، فاعتذر لها قرارقوش قائلاً : ( لقد وزعت أموال هذا العام، فأرجعي إلينا في العام القادم لنعطيك – إن شاء الله – ثمن كفن زوجك).. لم تكمل كتب التاريخ بقية الحكاية، ربما تم تحنيط المرحوم أو تجفيفه حتى يحول عليه ( حول قراقوش) ، أو ربما ماتت الزوجة من هول ( إعتذار قراقوش)..ومع ذلك، زمان الناس في بلادنا حبلى بأغرب الغرائب ..!!

:: على سبيل المثال، نقرأ القصة التالية، وهي خبرية تصدرت أخبار صحيفتنا هذه ( أمبارح القريبة دي)، أي ليس في عهد قراقوش.. أدانت محكمة الخرطوم شمال نجل رجل أعمال شهير ومتهم آخر يعمل في المحاماة بالسجن ( 15 يوماً) و بالغرامة ( 5000 جنيه)، وذلك لمخالفتهما ( المادة 123)، وهي التزوير.. والحكاية، أن المدان الأول – الملقب في الخبر بنجل رجل الأعمال الشهير- زور عقد إيجار عمارته بواسطة المدان الثاني وهو المحامي، ليتهرب من دفع العوائد لمحلية الخرطوم، فالعقد الصحيح ينص على إيجار العمار بمبلغ قدره ( 70.000 دولار سنوياً)، وهذا ما تم تزويره إلى ( 36 مليون جنيه سنوياً)، ليتهرب من دفع العوائد المستحقة لخزينة الدولة..وظل التعاقد في وضع التزوير لفترة سبع سنوات فقدت خلالها خزينة الدولة ( أموال عامة)..!!

:: بعد إكتشاف هذا التزوير، وبعد ثلاث سنوات من جلسات المحاكمة، حكمت المحكمة عليهما ب ( 15 يوم سجن) و ( 5 الف جنيه غرامه)، وهي عقوبة تشبه – إلى حد ما – عقوبات مخالفات قانون النظام العام .. حجم العقاب – مقارنة مع حجم الجريمة – ليس مهماً، فهذا في ذمة المحكمة و تقديرها ، ولكن نسأل أهل القانون : أين الأموال العامة التي ظل يستولى عليها المدان طوال السبع سنوات، وهي عمر تزوير عقد الإيجار من ( 70 الف دولار) إلى ( 7 الف دولار)، حسب السعر المركزي؟.. فالقانون يلزمه بأن يدفع لخزينة الدولة ( 40 مليون جنيه سنوياً)، ولكن إجمالي الميلغ المدفوع طوال السبع سنوات لم يتجاوز (20 مليون جنيه)..أين هذه الأموال المسماة بالعامة؟، ولماذا تجاوزها الحكم القضائي؟، أي لماذا لم تحكم باستردادها من المدان وتوريدها في خزينة الدولة؟..علماً أن النيابة التي تحرت وحولت ملف القضية إلى المحكمة هي ( نيابة (الأموال العامة)، و هي المسؤولة عن إسترداد الأموال العامة إلى الخزينة العامة بواسطة المحاكم، ومع ذلك لم تسترد هذه الأموال، لأن المحكمة لم تحكم بالإسترداد، بل إكتفت فقط بالسجن والغرامة، لماذا..؟؟

:: الحكم على المدان بالسجن والغرامة يؤكد إستيلائهما على أموال عامة بغير وجه حق ( أي بالتزوير)، فلماذا تجاوزت المحكمة إستردادها؟، السؤال لأهل القانون، باعتبار ( نحن ناس دراويش ساكت).. ثم الأدهى والأمر، يوم حكم المحكمة، غابت نيابة الأموال العامة المسؤولة عن حماية و إسترداد الأموال ، وكذلك غابت محلية الخرطوم و هي الجهة التنفيذية المسؤولة عن إستلام تلك الأموال وتوريدها في خزينة الدولة.. نعم، غابت النيابة و المحلية عن جلسة قضائية ذات صلة بأموال الناس والبلد، وحكمت المحكمة – في غيابهما – على المدانين بالسجن والغرامة، ولم تحكم حول (مصير المال العام).. كيف – ولماذا – تغيب النيابة في قضية كهذه؟، وكيف – ولماذا – لا تهتم المحلية بقضية كهذه؟..فالأسئلة لأهل القانون أيضاً، باعتبار ( نحن ناس عنقالة ساكت).. وعليه، ما أغرب غرائب المال العام في بلادنا، و مع ذلك تكتفي كتب التاريخ بترديد ( غرائب قراقوش)..!!
[/JUSTIFY]

الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]


تعليق واحد

  1. احسن انه تهرب من دفع العوائد هذه لانه كانت ستذهب في جيوب ناس ما تسواش حاجة ولن تذهب الى تنمية او صحة او تعليم ..

    اموال الشعب التي حصدها من البترول ومن المغتربين تم سرقتها نهاراً جهاراً ولم ترد الى خزينة البلد (جاري ليك وراء عوائد وعتب ) ؟؟ ان شاء الله اي واحد عنده املاك ما يدفع مليم واحد لهؤلاء الحرامية