منصور الصويم

الناس بين “الوجود” و”الزهللة”

[JUSTIFY]
الناس بين “الوجود” و”الزهللة”

يحكى أن أحد المهاجرين السودانيين عاد بعد فترة طويلة إلى الخرطوم، ليشارك في زواج شقيقه الأصغر. الرجل وهو عائد كما قال كان قلقا جدا وانتابته حالة من الحزن العميق، وأرجع ذلك إلى سببين الأول هو طول اغترابه عن البلد وخوفه من أن تنتقل معه هذه الحالة الاغترابية هناك ويجد نفسه بالتالي غريبا بين الأهل والأصدقاء، أما السبب الثاني فأرجعه الرجل إلى خوفه من أن يصاب بـ “صدمة” نتيجة للأخبار المؤسفة التي تنقل له عن السودان وأحوال الناس والتدهور الذي أصاب كل شيء وعاد بالبلاد إلى الوراء سنوات وسنوات.. رتب الرجل حقيبته وطوى قلقه وخوفه وعاد إلى البلاد.
قال الراوي: الملاحظة الأولى التي خرج بها الرجل بعد أول يوم من عودته إلى الخرطوم، هي أن العاصمة التي تركها لامعة ونظيفة قبل أعوام قليلة لم تعد تلك المدينة الجميلة، وأن أرتال الأوساخ والروائح النتنة وخيران المياه الآسنة صادفته منذ أن خرج من المطار وإلى أن وصل منزل أهله في أحد أحياء أم درمان.. الملاحظة الثانية التي دونها الرجل في مفكرته هي انتفاء فكرة (الصدمة – الغربة)، حيث وجد نفسه منساقة في حالة اندماجية سهلة بين الأهل والأصدقاء رغم (الرهق) والأحزان التي تكسو وجوه الجميع وتجعلهم من حوله وكأنهم أشباح يتحركون على أرض واقع (مات) كل شيء فيه وأصبحت الحياة عبارة عن عملية استنساخ يومي للتفكك الذي أصابها وأصاب الناس الذين يحيونها!
قال الراوي: الملاحظة الثالثة التي التقطها الرجل المغترب في يومه الخامس من عودته، كانت من داخل صالة الحفل، حيث فوجئ بأشكال جديدة تماما للوجوه الحزينة التي كان يصادفها طوال أيامه الماضية، البنات وكأنهن غمسن في آبار للتجميل، الشباب يرقصون و(يهججون) بفرح مبالغ فيه، الزغاريد السعيدة تعانق سماء الصالة.. بهجة وطرب ونفوس صافية، وكأن (موت الحياة) الذي لحظه منذ قدومه لا علاقة له بهؤلاء الناس.
ختم الراوي؛ قال: لخص الرجل الذي عاد إلى الخرطوم بعد اغتراب دام لسنوات، ملاحظاته عن البلد والناس، في أن الجميع يبدون وكأنهم يتأرجحون بين حالة من (الوجود) اللامبالي و(الزهللة) التي تعبر عن غربة الحياة.
استدرك الراوي؛ قال: كتب الرجل في آخر ورقة من مفكراته (الحمدلله على كل شيء.. أهو الناس عايشه)..

[/JUSTIFY]

أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي