لقد قطع قول كل خطيب
منذ أن أطلق البشير دعوته إلى القوى السياسية هذه المرة للجلوس في مائدة حوار وطني لإنجاز المصالحة السياسية، كنا من المتفائلين والمتحمسين لهذه المبادرة بيقين تام أنها فعلا صادقة وحقيقية، وقد كتبنا عددا من الأعمدة في هذه المساحة تطالب الجميع بالاستجابة للدعوة بلا شروط مسبقة لأن صيغة الدعوة كانت خالية من إشارات الوصاية أو علامات الخديعة.
بحسن ظن مفرط واستثنائي ظلت تحدثنا أنفسنا بأن الأمر في هذه المرة يختلف وكتبنا هنا أن مبادرة الدعوة للحوار هذه المرة ليست مثل سابقاتها في التوالي والتراضي والطبطبة الإنقاذية المعادة والمكررة..
ولأستاذنا عثمان ميرغني الذي أختلف مع تفسيره وتحليله لقرارات البشير في مقاله أمس بأنها نتاج ضغوط من أبى المشاركة وليست نتاج رغبات من حضر وشارك.. نتساءل: ما الذي تملكه الأحزاب الخمسة المقاطعة لاجتماع قاعة الصداقة ولا تملكه أحزاب مثل الأمة والشعبي والاتحادي الديموقراطي من كروت ضغط حقيقية تجعل البشير كما يفسر عثمان يحرر خطابه بالنظر لمن غاب وليس لمن حضر..؟!!
وما الذي قدمته الأحزاب الخمسة التي غابت عن طاولة ضربة البداية الحقيقية في صناعة المرحلة القادمة من أجندات وشروط لم تقدمها أو تتبناها وتتمسك بها هذه الأحزاب التي حضرت اللقاء؟.
إن المؤتمر الشعبي مثلا دخل الاجتماع التشاوري بسقف محترم جدا من المطالب بل دخل بنفس أجندات تحالف القوى الوطنية المعارضة وكذلك الإمام الصادق المهدي لم يأت بأقل من هذا السقف، فلماذا لا نقول إن قيادة الدولة تجاوبت مع مطالب الحاضرين وليس الغائبين؟، لماذا نصادر منهم نجاحهم ودورهم بهذا الإجحاف ونحيله لقيادات قوى سياسية خضعت لإرهاب تيارات إسفيرية متطرفة لا منطق عندها ولا فهم سياسي ولا هدف وطني صادق لإيجاد حل لأزمة البلاد؟.. خضعت لهذا الكرباج الإسفيري ورفضت الحضور..
الإسفيريون يا أستاذ عثمان لن يقبلوا ولم يقبلوا بما طرحه البشير أول أمس وبإمكانك مراجعة كل المواقع الإلكترونية المحسوبة على نوع من المعارضات ضد مجهول، معارضات لا سقف لها إطلاقا.. لا تقبل بأي حل ولا تقبل حتى بعثمان ميرغني ولا بأي فكرة أو رأي أدنى من مستوى استمرار الحريق ليقضي على الأخضر واليابس..
هؤلاء ليس بمقدور أحد مجاراتهم أو إرضاؤهم.. هؤلاء يقولون إنهم شيوعيون ولو تناقشت معهم تكتشف أن لهم رأيا حتى في الراحل محمد إبراهيم نقد ولهم رأي في النخبة الجنوبية الحاكمة والمعارضة والنخبة الشمالية الحاكمة والمعارضة الحاضرة والغائبة.. هم ضد كل شيء بلا منطق ولا موضوع..
لا أدري ما العيب في خطاب البشير؟.. هل كان هلاميا ضعب المفردات أو محلقا في غريب اللفظ؟.. خطاب قصير وواضح ليست به أية زوائد أو نفايات.. كلمات معدودة تفيد المعنى وتمرير صريح للكرة نحو أقدام القوى السياسة.. ماذا كانت التوقعات أكثر من هذا؟.. وما هي شروط تهيئة مناخ الحوار لو لم تكن هي إطلاق الحريات وإطلاق سراح المعتقلين؟..
لكنك لو طالعت التعليقات والمداخلات الإلكترونية على مضمون الخطاب تجدهم يقولون إن هذا ليس كافيا، نريده أن يعتذر هو وحزبه للشعب السوداني.. يقولون هذا وكأنهم حشدوا ملايين المواطنين عند أبواب القصر الجمهوري يحاصرون النظام بالسواطير و(الكلابيش) يقولون هذا وكأن الحاكم قبل اجتماع قاعة الصداقة سقط وتحطم في مكان مجهول مثل الطائرة الماليزية ولم تبق أمامه سوى ساعات قليلة بعدها تنتهي صلاحية بطاريات صندوقه الأسود..
يا أخي مجاراة مزاج الإسفيريين الهلاميين لا تحقق أجندة التغيير والإصلاح في بلادنا.. أما إرضاؤهم فهو المستحيل بعينه لأنك لن ترضي من ليس له استعداد حتى للتراضي مع نفسه..
هنيئا لنا إطلاق الحريات العامة وتهيئة المناخ للحوار وهنيئا للجميع زوال أسباب وتبريرات مقاطعة التجاوب والمشاركة في الحوار.. أما ما يلي هذا المناخ المهيأ فلن يكون إلا بالعمل السياسي السوي والحقيقي والجاد والممارسة السياسية الوطنية المسؤولة وحسن تدبير المناخ..
[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي
أحسنت … مقال رائع