داليا الياس

أحبة بلا عنوان

[JUSTIFY]
أحبة بلا عنوان

# يغتال الموت كل ما فينا من جمال، هو لا ينهي حياتنا فحسب. لكن يعلمنا المعنى الحقيقى والمجرد لكلمة (الوحدة) التي قد تكون أصدق الحقائق في حياتنا على الإطلاق، فالموت يكشف لنا زيف مشاعرنا وصداقاتنا وأحلامنا.. لأنها جميعاً تنتهي إلى اللا شئ.. ونبقى وحدنا.!

نموت وحدنا.. ونبعث وحدنا.. ونحاسب وحدنا.. ونعبر الصراط وحدنا.. ثم تنتهي أقدارنا البرزخية، إما إلى نعيم دائم في صحبة الأحبة الأخيار القدامى منهم والجدد، أو إلى عذاب مقيم في معية الأشرار.!!

# ولكن.. حتى نكتشف تلك الحقائق كما هي فعلياً.. سيبقى الموت في شريعة الأحياء لصاً يسرق الأحباب، فلا نعد نعلم عن أنبائهم شيئاً، كونهم صاروا بلا عنوان، وانقطعت بيننا أسباب التواصل بسبب هذا القدر الذي لا مفر منه.. ولا حيلة معه، فحتى أحضان أمهاتنا الآمنة لا تمنعه عنا.. ولا يستطيع قلب الأم الحاني أن يشهر في وجه الموت سيفاً، إذ ليس للموت فداء ولا أضحية.. وكلنا أمامه ضعفاء.!

# لا صوت لخطوات الموت ولا موعد.. يأتي بغتة.. يمضي بهم بغتة.. ويفجر الوجع بأعماقنا أيضاً بغتة، فلا تجف الدموع.. هكذا عرفناه منذ الأزل.. لم يتغير ولن يتغير.. لا يطور أساليبه في المفاجأة، ولا يترفق بنا.. ولا يمنحنا الفرصة لترتيب شؤوننا المعلقة.

هكذا هو.. يتسلل إلى دنيانا، فينتقي الأنقى والأغلى بيننا.. ويمضى بهم.. يتركنا في ذهول.. حالة من الصمت الواجف.. وغصة لا حد لها ولا منتهى.. عاجزين.. خائفين… ملتاعين.. قد نرافق أحبابنا إلى مثواهم الأخير بخطى مترددة لأجل الوداع الأخير، فتكون تذكرة جديدة تؤكد لنا دنو آجالنا، وإن تأخرت.. ونعود من ذلك الوداع غير الذين ذهبنا.. تركنا أحباباً تحت التراب وعدنا.. لم ينقص منهم شيئاً. لكن اختفى من حياتنا وجودهم ووجوههم.. وبقينا وحدنا نستدعي الذكريات الحلوة والمرة.. مكذبين رحيلهم.!

# ذهب أحباؤنا في رحلة طويلة بلا عودة.. ولا نعلم هل سنلتقيهم من جديد أم لا؟.. غير أن تفاصيلهم تبقى.. مواقفهم.. كلماتهم.. ذكرياتهم.. حكاياتهم.. ورائحتهم لا تموت.. هي أشياء لا تلحق بهم.. لكن تبقى لتعذبنا أو تواسينا حيناً من الدهر.. ثم تأخذنا عجلة الحياة في دوران جديد حتى تهدأ الذكرى، وإلى أن يباغتنا الموت في حبيب جديد.!!

# غير إنّا أثناء ذلك تجدنا مرغمين على التذكر.. فكلما عبروا الخاطر، استقرت في القلب غصة.. وكلما أذانا الآخرين، تذكرنا ترفق الراحلين بنا.. نسرع أحياناً لتفقد بعض ما تركوه لنا من أثر.. قد يكون خطاباً.. أو قلماً.. أو زجاجة عطر.. وكلها أشياء تعتصر أكبادنا من فرط الحنين.. وتأتي الخيالات بهم.. فنتوق شوقاً إليهم.. وتفضحنا الدموع الصادقة التي تغسلنا من غرور الدنيا.. نود أن نحدثهم عن الكثير.. كل ما حدث بعدهم، وما شعرنا به لفراقهم.. وما تعرضنا له في غيابهم. لكن لا أجنحة لدينا ولا عناوين لهم!!.. فلا يكسر الجناح شيئاً كالموت، وإن كان جناح الأحلام.. وما من فراق يمسح العناوين خلفه، إلا الفراق الأبدي.. فكم أدمى الموت قلوبنا.. وكم أحنى ظهورنا.. وكم اغتال أحلامنا.. وكم كسر الموت أجنحتنا.!!

# فيا أيها الموت ترفق بنا.. فأنت تمعن في مباغتتنا بالقدوم، ويمعن أحبابنا في مباغتتنا بالرحيل.. وتمضي بهم إلى حيث لا يمكننا التواصل.. يتركون لنا الفراغ.. الغربة.. الشجن والحسرة.. لا نشعر بطعم الحياة دونهم.. ولا يبقى لنا سوى انتظارك المربك.. فمتى تأتي..!؟

# تلويح:

تمضي الليالي في عطائها.. ولا تتوقف بفعل الموت.. وآآآآه من عطايا الليالي بفقدهم.!

[/JUSTIFY]

إندياح – صحيفة اليوم التالي