جدلية السستم والأخلاق
*لا أتصور أن الحكومات الغربية قد تصدَّرت قائمة النزاهة والشفافية لكونها تحمل (مشروعاً أخلاقياً قيمياً)، بقدر ما أن تلك الشعوب قد تربت وترعرعت تحت سطوة سستم وقانون محكمين، فلئن قلت أحدهم هناك من السستم، ولن يفلت، فلن يفلت من عقاب (دولة القانون) لهذا أصبح الناس قهراً وجهراً أهل قيم وسلوك سوي.
* وفي المقابل، إن الرهان في الشرق الكبير على مبدأ (القوي الأمين) دونما رفده بسستم وقانون جهيرين محكمين، قد يفضي بنا إلى مآلات وخيمة. فيجب أن لا نحمِّل النصوص المقدسة ما لا تحتمل.
*فعندما تهب (القوي الأمين) سلطة وثروة لا ممنوعة ولا مقطوعة ولا محصنة برقابة، فكما لو أنك تعين عليه الشيطان، فلا محالة تدريجياً بمرور الأيام وتدفق (المال السايب) خارج الدورة المستندية الحكومية وخارج ولاية الدولة ووصايتها تدريجياً سيفقد قيم القوة والأمانة والتماسك، فيسقط ونسقط جميعاً!
*هنالك أزمة أخرى، فتحت ضغط وسائل صناعة الرأي العام وتراجع عزيمة الحكومة وإرادتها في الفترة الأخيرة، لم تملك الحكومة إلا أن تتبنى صوت الشارع العام بتوزير شريحة الشباب ممن يمتلكون (قوة الحركة) ويفتقدون (قوة التجربة وصناعة المعرفة). في المقابل التخلص وبضربة واحدة من كل الخبرات.
*فمجموعة الشباب الثائرين الذين أرسلتهم الحكومة مباشرة من المنابر الطلابية والمنظمات الشبابية وبعثتهم رسلاً للوزارات والمحليات والمؤسسات، لم تكن لهم أدنى دراية بتصريف (الشؤون المالية والإدارية)، وهم معزورون يومئذ إذا لم يتمرغوا بوظائف الميري وسستمنا الوظيفي على علاته وتراجعه، فكما لو أنك في هذه الحالة ستغتال (قوياً أميناً) بعدم الدربة والمعرفة بفنون ونظم هذه الوظيفة الكبيرة، مما يجعله رهينة لآخرين متمرسين ومفترسين!
*تمنيت قبل بعثة الشباب هؤلاء أن نجعلهم موظفين في الوزارة نفسها، على أن يمضي كل واحد منهم شهراً في إدارة من الإدارات ثم نخضعم في نهاية الدورة لاختبار قدرات ومهارات وابتكارات.
*فما نقترفه بالجهل في كثير من الأحيان هو أعظم ألف مرة مما نهدره بسوء السلوك والأخلاق!
*أحد الإخوان التكنوقراط المخضرمين قال لي ذات لحظة تقييم “دي حكومة وليدات” صحيح قد لا تخذلهم قيم الحماس والأمانة والجرأة، ولكن تخذلهم أدبيات وفنون الإدارة والتدرج السوي السليم.
*ربما ترفدنا بعض فنون ونظم فرق كرة القدم فعندما يشيخ الفريق ويتعرض لهزائم متوالية، يطعِّم الفريق ببعض الشباب الذين تدربوا في فرق الأشبال مع خبرة بعض الشيوخ، على أن تتخلص تدريجياً من الكبار..
*أما الكوتش الذي في هذه الحالة هو السيد الوالي، فأمره متروك (لمجلس الإدارة) الذي في هذه الحالة هو (رئاسة الجمهورية)..
*تجدني أناهض تلك المقولة المحبطة.. (في الغرب مسلمون وفي الشرق إسلام) لا وألف لا.. هنا إسلام ومسلمون وشرفاء كثر، فقط نحتاج لضبط السستم وإحكام اللوائح وهيبة (دولة القانون) وجبروتها.. إذن بالأخلاق والسستم والقانون يمكن بناء دولة العدل والكفاية والشفافية..
ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]Malazat123@gmail.com[/EMAIL]