د. محمد بدوي مصطفى

كارثة سرقات وعرض الآثار السودانية بالخارج (1)


كارثة سرقات وعرض الآثار السودانية بالخارج (1)
[JUSTIFY] من البديهي يا سادتي أن كل دولة في العالم تمتلك تاريخا شامخا يضرب بجذوره في أعماق التاريخ أن تدافع عنه بضراوة واستبسال. فمهمة الدول تكمن في حفاظ الإرث التاريخي لأمتها لكي تنقله للأجيال القادمة بكل شفافية وأمانة، كما وأن من مهامها المقدسة تجاه الوطن الترويج لهذا التاريخ ومن ثمة تطوير منشأته وفي الآخر دعم قطاع السياحة المتصل به عموما، ناهيك عن مهامها وواجبها تجاه تأمين هذه المنشآت الأثرية وحفظها من براثن التلاعب والنهب. كلنا يعلم أن للأثار دور هام في تطوير اقتصادات الدول وما علينا إلا أن ننظر إلى تركيا ومصر قبل الثورة فكم أفلحت هاتان الدولتان في تطوير القطاع الاقتصادي بهما عبر الإيرادات السخية الواردة من قطاع السياحة. إن بلاد النيل هي دون أدنى شك – من البلدان التي وهبها الله نعمة لم يهبها لغيرها، سيما السودان، فقد وهبه الله آلاف المواقع الأثرية العظيمة التي إن وجدت الرعاية والتدبير السديد والحنكة لغدت الدجاجة التي تبيض ذهبا والبقرة الحلوب التي تدر المليارات على خزينة الدولة المتهالكة. للأسف تتعرض متاحفنا والمواقع الأثرية المتناثرة بين أضلع صحارينا وقرانا المترامية للسطو المخطط والمقنن من قبل بعض أبناء الوطن وحلفائهم. عند التقصي عن فيديو أثار فضولي وقد وصلني قبل بضع أيام سلكت طريقي في الشبكة العنكبوتية لا ألوي على شيء إلا والبحث عن المصدر وعن صحة المعلومة. فلذت بادئ ذي بدأ بموقع صحيفة الأثار السعودية التي تشير إلى مقال نشر بالرأي العام في نفس السياق. والجدير بالذكر أنني وجدت في خضم حملتي البحثية هذه، مصادر عديدة موثوق بها، أما أنها تتحدث عن نفس الحادثة أما أنها انبرت لتؤكد عن حدوث كوارث مماثلة، فالآثار السودانية كثيرة وغير محصورة وكل من هب ودب يمكنه أن ينقب في مكان ما عنها أو عن الذهب أو عن أي شيء آخر ويبيع ويشتري تاريخ البلد بأبخس الأثمان. والسوق العالمية جائعة للآثار والتحف النادرة لأنها صارت من الوسائل الناجعة في حفظ المال وتبيضه. لمست الخبر في موقع إذاعة المانيا الثقافية التي تشير بدورها لوكالة الأنباء الفرنسية أي. إف. پي. وبطبيعة الحال ألمانيا يهمها أمر الآثار بالسودان إذ أن جامعة برلين تدرس مادة المرويات وكم أنفقت وزارة الأبحاث الألمانية (دي إف بي) من أموال لإرسال بعثات التنقيب وجمع العلماء في مشاريع بحثية تسمي (إس إف بي) لدراسة تاريخ السودان القديم، كما وللألمان الفضل الكبير في فصل دراسات الحضارة المروية عن الدراسات الفرعونية المصرية (إيجبتولوجي). فصارت المرويات قسم قائم بذاته وهذا عمل يستحق التقريظ والثناء.
بالطبع الموضوع خطير للغاية ويتطلب التريث والتمعن في مداخله ومخارجه. كما ذكرت سلفا أنه وصلني فيدو لآثار في مغارة ما (تتواجد حسب المعلومة المرفقة معه) بشمال البلاد وما زلت استشير بعض علماء الآثار المختصين بتاريخ السودان في ألمانيا للتأكد من صحته وصحة الآثار التي تنطوي عليها المغارة المصورة. ففور استلامي للفيديو اتصلت على زميل بالجامعة، البروفسير شتيفان هاوزر، الذي مدّني بعناوين علماء الآثار الذين نقبوا في السودان ولا يزالون. والتحريات جارية في هذا الموضوع. على كل أكتب في هذا الموضوع لأنه ذكرني بقضية خطيرة عملت فيها كمترجم محلف لدى النيابة العامة الألمانية وكانت تخص سرقة آثار وقطع تاريخية هائلة (آلاف القطع) ببلد عربي عبر عصابات تمتد أياديها إلى كل أنحاء العالم. فهذه العصابات تتكون من مضيفي طيران، كباتن، موظفي بريد، تجار آثار عرب، سماسرة، مسؤولي آثار، تجار أنتيكا أوروبيين وموظفي متاحف ودلالات شامخة حول العالم الخ. ومما أثار فضولي تساؤل اعتراني في نفس اللحظة: هل يحدث ذلك في السودان كما رأيته في غضون القضية المذكورة سلفا؟ هل يبيع أبناء الوطن تاريخهم للغرباء بغرض بضع جنيهات أو قل ملايين الجنيهات؟ عندما وصلني الفيديو بحثت في الشبكة العنكبوتية عن علماء آثار سودانيين ليمدوني بتحليل علمي عن الفيديو وما صاحبته من رسائل. جاءني الفيديو وعليه الرسالة التالية: (اقتباس)
“أنتشر هذا المقطع الذي تشيب له الرؤوس مصحوبا بالنص التالي: قبل سبعة شهور، كان هنالك خبر ضجة بخصوص اكتشاف مدينة أثرية كاملة غرب صلب وصادنقا تخص الملك “أمنيوفيس الثالث” وزوجته “تي”، تم اكتشافها بواسطة شركة تركية كانت تعمل في طريق دنقلا وصادنقا، بعد الخبر والضجة بشهرين انسحبت الشركة التركية من عمل الطريق بحجة افلاس الشركة. شهود عيان من أهالي قرية صلب وقبة السليم أكّدوا بحركة غير عادية من مسئولين حكوميين وهبوط لهيلوكوبتر في نص الليل وأخيرا تم تسريب فيديو يوضح حجم النهب الذي تم في هذا المكان.” نهاية الاقتباس. واليكم الفيديو فليشاهده الناس إلى أن نأتي بالبينات والشهادات التي تخصه ودون حكم مسبق عنه: http://youtu.be/irWNunsPSq0 إلى الآن لم أتحقق من صحة الفيلم الذي وصلني لذا لن أشرع في التجريم والتشكيك في القضية ما لم تأتني البيانات الدامغة من الفريق الذي أرسلته إليه. بيد أنني وفي نفس السياق وجدت شواهد أخرى كثيرة تشير إلى أن هناك تلاعب بالآثار السودانية وإهمال كبير في حصرها وحمايتها. وهنا لابد أن أشير إلى أن العديد من موظفي أثار السودان ليس لهم ذنب في كثير من القضايا التي ترجع إلى تجاهل وتناسي هذا الإرث من قبل الوزارات المكلفة بالأمر. فهم يعملون بإخلاص ونكران ذات فبارك الله فيهم. ومن جهة أخرى كما سنعرف بعد قليل أن بعض عمال المتاحف يبيعون التحف في الأسواق العالمية. ويا ليتهم كانوا كالراعي السوداني بالسعودية وعلموا أن يوم الحساب لن تنفعهم آثارهم المنهوبة ولا أموالهم أمام الله.
في جعبة نفس الخبر المنشور بموقع صحيفة الآثار السعودية (عن صحيفة الرأي العام) تمت محادثة الباحث بمتحف السودان السيد الهادي حسن الذي أدلى بالآتي: “المتحف تعرض لجريمة سرقة كبيرة تتمثل في ٥٠ قطعة أثرية بالإضافة إلى “ذهب مروي”. يقول في أدلاءه أن “السرقة خطط لها مسؤولون وقام بتنفيذها أحد الحراس وتم القبض عليه والإفراج عنه بضمانة مالية إلا أنه هرب قبل محاكمته إلى جهة غير معلومة حتى الآن حسب علمي.” (نهاية الاقتباس). ولمعرفة رأي الهيئة العامة للآثار استقصت صحيفة الرأي العام حينها (نفس المصدر) حيثيات القضية والتقت السيدة انعام عبدالرحمن مجذوب، ضابط آثار، التي تحدثت -بعد أن أعطت خلفية عن قانون الآثار الغير مفعّل والإشكاليات التي ينتج عنها عدم التفعيل والتطبيق في الواقع – قائلة: “وأضافت بأن ما يروجه البعض عن وجود أجانب متهمين بسرقة الآثار كلام مغلوط- وللأسف أن معظم المتهمين في حوادث الآثار مواطنون سودانيون، ويقوم بعض المواطنين بحفر المواقع بغرض الحصول على الذهب والمعادن النفيسة، ولكن الأمن الاقتصادي أحبط كل المحاولات، واستطردت بقولها: إن معظم مواقع الآثار في السودان تحتاج الى حماية ولكن الهيئة لوحدها لا تستطيع توفير معينات الحماية.” (نهاية الاقتباس). وحديث الأستاذة غير منطقي فقضية سرقة الآثار من قبل السودانيين ومن غيرهم معروفة. سوف أشير في مقال قادم عن سائح فرنسي ورحالة روماني استطاعا أن يستحوذا على مئات الآثار بيعت في الأسواق العالمية والثاني وضعها بمتحف في رومانيا.
وفي نفس السياق أدلى الموقع المذكور أعلاه (عن نفس المصدر) تحت عنوان آثار سودانية بالخارج الآتي: “أشارت مصادر بأن سلطات البوليس البريطاني تمكنت من ضبط آثار سودانية مسروقة من المتحف القومي ويتم عرضها بحوانيت الآثار بالعاصمة البريطانية «لندن» وقامت بتسليم أثرين على قيمة تاريخية عالية للسفارة السودانية وهو عبارة عن أجزاء من جسمين ضخمين لرموز في حضارة كوش السودانية يتعدى وزنهما «50» كيلوجراماً وتصل قيمتهما الى اكثر من ربع مليون جنيه استرليني بأكثر التقديرات تواضعاً، وأشارت ذات المصادر أن هناك مجموعة اخرى من الآثار السودانية التي وصلت الى محلات عرض تجاري بـ«لندن» وهي عبارة عن «خاتم ذهب» يعود تاريخه قبل «7» آلاف سنة يخص أحد ملوك حضارة كوش ويُعرض بـ«مليون جنيه استرليني» (نهاية الاقتباس).
المثير في الأمر أن الأعلام الألماني والفرنسي نشروا أخبار عن قضايا مماثلة. فهل الأمر يتعلق بنفس الآثار التي جاءت في الموقع السعودي أم تلك كوارث أخرى لم يعلم بها الشعب السوداني إلى الآن. على كل وجدت خبرا نشر في الثاني من أبريل من ٢٠١٤ في موقع راديو ألمانيا الثقافي، وهذا موقع حكومي موثوق به مائة بالمائة، الآتي:
“السودان: “سرقة أثار قيمة تخص مقبرة من متحف”. كانت الكنوز محفوظة بصورة همجية (مؤقتة). تم سرقة آثار قيمة من متحف بشمال السودان عبر أشخاص غير معروفين يصل تاريخيها إلى قرون عديدة وهي عبارة عن مستلزمات جنائزيّة. وحسب المعلومات التي أدلت بها وكالة الأنباء الفرنسية أي إف پي يتعلق الأمر بتماثيل يصل طولها إلى ما بين ثلاثة إلى خمسة عشر مترا وتستخدم في مراسم جنائزية تخص الملوك، يرجع تاريخها إلى ما بين القرن السابع إلى الثالث قبل ميلاد المسيح. وتم افتقاد التماثيل في المتحف بعد ثلاثة أيام من السرقة. لقد حصل السودان قبل مدة وجيزة على مبلغ ٩٨ مليون دولار من حكومة قطر كمساعدة من أجل التأمين الكامل على المواقع الأثرية والإنفاق على المتاحف وتأمين مواقع التنقيب. (نهاية الاقتباس)
وكما ترون يا سادتي القضية شائكة:
أولا: ما هو الكم الهائل للمسروقات المعروضة في السوق الخارجية سيما بأروبا؟
ثانيا: ما هي التدابير الأمنية الهامة التي قامت بها الجهات المسؤولة بعد أن انتشر الخبر في كل أرجاء العالم؟ وهل ينفع الدفاع بالنظر في هذا الشأن؟!!
ثالثا: ما هو دور القانون في معاقبة المجرمين؟ هل يعقل أن يترك عامل سرق هكذا دون محاكمة؟
رابعا: كيف قننت وزارة السياحة والآثار القرض المقدم من مملكة قطر والمخصص لحفظ الآثار وتطوير العمل بمنشأتها؟
خامسا: ما هو مصير المسروق من الآثار السودانية المتواجد في المتاحف العالمية؟ نعلم أن مصر صارت لها أزمات سياسية خطيره بسبب بعض الآَثار المنهوبة من سياح في الألفية الماضية؟
سادسا: سوف نواصل تسليط الضوء على صحة الفيديو المذكور أعلاه وعلى قضية الآثار السودانية عموما سيما برومانيا.

تجليات
(صحيفة الخرطوم)
[/JUSTIFY]

بقلم : د. محمد بدوي مصطفى
[email] mohamed@badawi.de[/email]


تعليق واحد

  1. عجيب ي دكتور مقال جميل جدا ووافي وزاخر بالمعلومات المفيده
    ومزيد من التقدم