تحقيقات وتقارير

جمعية زارعي الكلى تطالب بتعليق عمليات الزراعة :زارعو الكلى والكبد معاناة تتجدد

الموت بالقطاعي لانعدام الأدوية المثبطة للمناعة المتمثلة في «البروغراف، والمايكوفيت، والسيكلوسبودين» هكذا كان لسان حال مرضى زارعي الكلى والمرضى الذين يعيشون على غسيل الكلى يلهج مردداً أسماء الادوية المنقذة لحياتهم في حالة من الرعب بسبب عدم كفايتها وجودتها وقد ظهر ذلك جلياً في ارتعاش اجساد معظم الذين وقفوا يتحدثون عن معاناتهم بشئ من القلق في المؤتمر الصحفي الذي نظمته جمعية زارعي الكلى السودانية «حول قضية وقف صرف الأدوية» بدار الجمعية بالخرطوم بحرى.. فقد كانت معاناتهم المتمثلة في انعدام الادوية بادية على صحتهم واجسادهم التي ترتعش باستمرار بشكل واضح للعيان فقد اجمع معظم المرضى على أن حالاتهم الصحية انتكست وساءت عندما تناولوا «السلسيبت الهندي» بدلاً عن السلسيبت السويسري فتساءلوا في حيرة لماذا تصر وزارة الصحة الاتحادية على تناول المرضى للسلسيبت الهندي على الرغم من تأثيره السلبي على صحتهم.

موت بطئ
بنبرة لا تخلو من قلق يقول كمال محمد علي سعيد «زارع كلى» إن زارعي الكلى «يموتون» بالبطئ فالحبوب حياة أو موت فوجودها يعني الحياة، أما انعدامها فيعني ان الموت يتربص بنا من كل جانب، ويضيف فالقضية الاساسية الآن التي يجب ان يلتفت اليها المسئولون هي توفير الحبوب فالوضع لا يحتمل الاجراءات الروتينية في المكاتب وبصوت متهدج اعياه على ما يبدو نقص الجرعة الدوائية يقول ذهبت في الاسبوع الماضي للمركز لتناول الجرعة الدوائية من الحبوب فأعطوني جرعة ثلاثة أيام فقط وهذا ليس حلاً، ويضيف فالاجراءات المتعلقة بصرف الدواء عقيمة ولا قدرة للمرضى على تحمل مشاويرها فالمريض زارع الكلى يحتاج لراحة نفسية وبدنية تمكنه من معايشة الوضع الجديد ولا حولة ولا قوة له بتحمل معاناة أخرى تتمثل في غياب الدواء او شرائه فليست هنالك اية مقدرة لمعظم زارعي الكلى على شراء الحبوب المنقذة للحياة فالحبوب مكلفة للغاية فمن اين يأتي زارع الكلى بمبلغ (500) ج شهرياً بغرض تناول الدواء، ويضيف ومعظم زارعي الكلى عاطلون عن العمل بسبب المرض وليس باستطاعتهم دفع حق المواصلات من والى المراكز التي تعطي الدواء بالقطاعي ناهيك عن سداد مبلغ كبير كهذا.

المرض لا يرحم
ووسط حضور لزارعي الكلى نهض «الشاب الثلاثيني أحمد سليمان» وكان جسده يرتعش ولا يقوى على الكلام إلاَّ بمعاناة بادية على جسده الهزيل الذي سرد بصوت متهدج ملخصاً لمعاناته قائلاً زرعت منذ «ثلاث سنوات» ولم اتمكن من تناول دوائي المتمثل في البروغراف منذ (15يوماً) وحالتي الصحية (ذي ما شايفين) ما قادر تاني اعيش دون حبوب والله يعلم حتى أبنائي سفرتهم الى البلد لعدم مقدرتي للصرف عليهم وبقيت في روحي وما عارف يا جماعة اعمل «شنو هسع » لانني اصبحت لا أقوى حتى على الحركة وليس لدى مورد رزق لمقابلة كلفة العلاج فالدواء مكلف ومن اين لي دفع (500) ج شهرياً قيمة الدواء، وما خايف من الموت ولكن المرض ينهك الجسم ويفتك به والانسان بموت في يومه لو وجد الدواء أو لم يجده فقط علينا عمل البنقدر عليه تجنباً للاستسلام للمرض والمرض ما برحم ، وبهذا الحديث المباشر لحظت انهمار دموع معظم زارعي الكلى تعاطفاً مع شخص لم يتناول الدواء لمدة (15 يوماً)

دموع أم
عائشة نصري سيدة في عقدها الخامس من العمر وقفت وسط جموع زارعي الكلى والدموع تنهمر منها بغزارة وهي تردد عبارة إن ابنائي الاثنين زارعا كلى ووالدهما مصاب بشلل رعاش منذ سنة 2001 م والآن يعانيان جراء عدم تناول الحبوب بشدة، ومنذ اسبوع كامل لم يتمكن ابنائي من تناول الجرعة فكلما نذهب للمركز لتناول الجرعة نرجع بمواعيد أخرى بأن الدواء سوف يأتي في اليوم التالي وحينما نعود مرة اخرى لا نجد شيئاً فقد اعيتني «الساساقة» للمركز بدون جدوى وابنائي اصبحت غير قادرة على النظر اليهما وافشل كل ما حاولت ذلك فالله وحده الذي يعلم انني ليست باستطاعتي ان اوفر لهما «وجبة فول» ناهيك عن توفير حبوب السلسبيت التي تكلف (500) ج شهرياً فمن أين لي ان ادفع هذا المبلغ الباهظ؟ واختتمت حديثها قائلة: اصبحت اعود للبيت مجبرة تهرباً من معاناة فلذات كبدي فهما يفتقدان للجرعة الدوائية التي ارتبطت حياتهما بها بشكل اساسي فلا حياة لهما بدون تناول الحبوب وحسبي الله ونعم الوكيل.

زارع كبد
ويقول لواء شرطة شمس الدين أحمد بلال زارع كبد منذ العام 2006 م: منذ زراعة الكبد الى اليوم فالعملية ناجحة تماماً ولكني اعاني من عملية الحصول على الدواء على الرغم من وقفة الشرطة معي فبحدوث الضائقة في الادوية لزارعي الكلى أبعدت جمعية زارعي الكلى زارعي الكبد، وقال انني اعاني جراء دفع مبلغ (1335) جنيهاً شهرياً لمقابلة شراء الدواء على الرغم من مساهمة الشرطة معي في السداد، وتساءل قائلاً: فكيف يكون حال شخص يتعالج من جيبه الخاص فلا شك ليس بامكان غالبية المرضى دفع هذا المبلغ الكبير لان جلهم متوقفون عن العمل بسبب المرض. وقال: هنالك اشخاص كانوا يتناولون الدواء في مركز «سلمى» اوقفوا تماماً من عملية الحصول على الدواء، اما الذين يتناولون الدواء من مركز احمد قاسم فما زالوا يتناولون دواءهم ولا ادري لماذا تم تحويل توزيع الدواء «عبر المراكز» وتساءل قائلاً: لماذا الدواء لزارعي الكلى فحسب دون زارعي الاعضاء الاخرى، ويضيف فالكل يعاني وليس زارعو الكلى فحسب، واتمنى من السيد رئىس الجمهورية أن يضم كل زارعي الاعضاء للعملية العلاجية لان الادوية ذاتها التي يتناولها مرضى الكلى يتناولها زارعي الكبد فالدواء مكلف للغاية ويحتاج لمساهمة الجميع.
لماذا الدواء الهندي؟
أما الاستاذ عبد الله خليفة زارع كلى وعضو ناشط ومتابع لكل الاجراءات المتعلقة بزارعي الكلى بجمعية زارعي الكلى السودانية فبدأ حديثه قائلاً: لماذا الاصرار على الدواء الهندي اي السلسيبت الهندي على الرغم من وجود ملاحظات عديدة عليه وهذه الملاحظات العديدة بشهادة امين عام مجلس الصيدلة والسموم د. جمال خلف الله فبعد مكاتبات للجمعية حول عدم صلاحية الدواء الهندي لمكتب نائب الرئيس علي عثمان محمد طه وبعدها حول نائب الرئىس الخطابات للجهة المختصة أي مجلس الصيدلة والسموم، فالمجلس المختص توصل الى ان الدواء توجد تحفظات تجاهه ويجب ايقافه والعودة للسويسري ولكن لا ندري لماذا يصر بروفيسور ابو عائشة على ان يتناول المرضى الدواء الهندي بدلاً عن السويسري الذي وجد فيه المرضى عافيتهم؟ ويضيف: فمعظم المرضى وعبر دراسة علمية اعدتها الجمعية على عينة من زارعي الكلى الذين تناولوا الدواء الهندي ثبت علمياً تأثيره الكبير على صحة زارعي الكلى جراء تناول هذا الدواء القاتل، ويضيف وحينما اقول القاتل فلانه ادى لوفاة اشخاص وفقدان كلى لاكثر من (12) شخصاً صرفوا على اجراء العمليات «الغالي والنفيس»، بل ان الجمعية احاطت وزارة الصحة والجهات المختصة بكل هذه الملابسات حول الدواء ومدى خطورته على المرضى، ولكن لا حياة لمن تنادي ومع العلم فإن مستورد محاليل كور هو ذات الشخص الذي استورد الدواء الهندي واختتم حديثه قائلاً: اذا كان الدواء السويسري مكلفاً فهل هذا يبرر استيراد بديل رخيص واقل جودة؟.

تباطؤ الحل
فيما اتهمت جمعية زارعي الكلى وزير الدولة بوزارة الصحة الاتحادية بالتباطؤ ازاء حل اشكالية الفجوة في ادوية زارعي الكلى وكشفت الجمعية عن نقص حاد في الادوية المثبطة اللازمة لزارعي الكلى البالغ (1753) زارعاً وشنت الجمعية هجوماً عنيفاً على الامدادات الطبية التي رفضت منحهم الادوية لعدم تسديد وزارة المالية لمبلغ (620) مليون جنيه، وعبرت الجمعية عن قلقها على لسان عبد الحميد حاج الحسن رئيس جمعية زارعي الكلى السودانية في مؤتمر صحفي «حول قضية وقف صرف الادوية لزارعي الكلى»، عبر الحسن عن قلقه على حياة زارعي الكلى لعدم توافر الادوية وكفايتها للمرضى.. وقال الحسن ان زارعي الكلى مهددون بعودة الفشل الكلوي مرة اخرى ومن ثم العودة لعملية الغسيل، وأشار الى ان الجمعية طالبت المستشفيات بالتوقف عن زراعة الكلى لوجود شح كبير في الادوية المثبطة، وقال الحسن ان الجمعية طالبت بعقد اجتماع عاجل مع نائب رئيس الجمهورية، واشار الى ان وزارة الصحة ممثلة في وزير الدولة تتباطأ في حل الاشكالية، وقال ان اعداد مرضى الفشل الكلوي في ازدياد وطالب وزارة الصحة باجراء دراسات علمية لمعرفة اسباب الفشل الكلوي مشيراً الى ان تكلفة الادوية لزارع الكلى الواحد تبلغ (500) ج شهرياً، وقال ان الادوية الموجودة سيتم توزيعها حسب الحاجة على الرغم من ان كل زارعي الكلى محتاجون، مشيراً الى ان الجمعية ستقوم بتسيير مسيرة الى رئاسة الجمهورية عقب الاجتماع مع الوزير الذي لم يحدد له الوزير وقتاً حتى الآن فتارة يقول الاجتماع يوم الخميس ولم يحدد ساعة بعينها، وتارة يقول يوم الاثنين ويحدث نفس الشئ، ويضيف فالمرضى لا يستطيعون الانتظار حتى يحدد الوزير الوقت الذي يناسبه فهنالك اناس تأثروا بغياب الادوية ومنهم من مات.
ولفت الحسن الانتباه لوجود الادوية بمخازن الامدادات ولكنها لم تصرف للمرضى بسبب عجز (620) مليون جنيه، وقال لهذا العجز رفضت الامدادات تسليم الادوية الا حينما يدفع المبلغ كاملاً بحجة ان وزارة المالية لم تف بما عليها، ولكن الحق يقال فالمالية اوفت بما عليها في ميزانية (2009م) وقالت انها سوف تسدد ما عليها في ميزانية العام 2010 م ولكن المرض لا يرحم ولا ينتظر ومعظم الزارعين ليست لديهم المقدرة على شراء الحبوب فالحبوب تكلف زارع الكلى في الشهر الواحد (500) ج فمن هنا نناشد السيد رئيس الجمهورية باطلاق سراح الادوية بالامدادات الطبية انقاذاً لحياة زارعي الكلى فالرئيس اتخذ قراراً بمجانية علاج الكلى وقال هذا حق المواطن في العلاج.

ارقام.. ارقام
وفي خطاب مروس لمستشفى احمد قاسم وزع على الحضور يوضح الاستهلاك الشهري للادوية المثبطة للمناعة اوضح ان عدد الذين يتناولون البروغراف يبلغ عددهم (326) زارعاً وهذا العدد يشمل مختلف عيارات التركيز من العقار (املجم ، 0.5 ملجم، 5 ملجم » ففرق الكمية المصدقة من (املجم) يبلغ (23700)، اما فرق 0.5 ملجم من الكمية المصدقة فيبلغ (2000)، واما 5 ملجم فالاستهلاك (300) بينما الكمية المصدقة تساوي (5) والذين يتناولون عقار مايكوفيت يبلغ (186) زارعاً بتركيز (500) ملجم وفرق الكمية (5000) وحدة، والذين يتناولون عقار السيكلوسبورين يبلغ (282) وهذا العدد يستهلك التراكيز (100 ملجم، 50 ملجم ، 25ملجم) وفرق الكمية في 100 ملجم (7500) وحدة وفي (50ملجم) فرق الكمية (10.000) وفي (25ملجم) فرق الكمية يبلغ (10000) وحدة. وفي ورقة تبين العجز في الحبوب المستهلكة لزارعي الكلى بمركز سلمى كشفت ان الفرق في البروغراف (املجم) يبلغ (5.000) وفي بروغراف (0.5ملجم) الفرق يبلغ (50550) والفرق في السايكلوسبودين (50) يبلغ (4000) والفرق في الكمية المطلوبة (25) ملجم يبلغ (5.000) وفي السايكلوسبودين (100) الفرق يبلغ (5.050) في الكمية المطلوبة والسلسيبت الفرق في الكمية المطلوبة منه (18.550) وهذه الكميات للشهر الواحد.

قرارات تترنح
اخيراً يمكننا القول بأن قرارات مجانية علاج مرضى الكلى تترنح وتهتز كاهتزاز اجساد «زارعي الكلى» في هذه الايام لفقدانها للادوية المثبطة فيبدو ان القرارات ليست لديها المقدرة على الصمود لفترة طويلة او هنالك ما يعترض سيرها الطبيعي وإلا ما الذي يحدث في نقص الادوية لزارعي الكلى مما جعلهم يعيشون حالة من اليأس لا مثيل لها، فكيف لا ييأسون فحياتهم اصبحت مرتبطة بتوافر الادوية وتناولها في وقتها المحدد، اما اذا حدث عكس ذلك فرجوع الفشل الكلوي مرة اخرى او الموت سيكونان مصيرهما، ومهما يكن فإن المسألة لا تحتمل كثرة التجارب والتنقل من دواء لآخر ولا يعقل ان تصر وزارة الصحة على ان يتناول «زارعو الكلى» دواء توجد حوله تحفظات، أو لا تعلم وزارة الصحة بان العملية النفسية عنصر اساسي لنجاح العملية العلاجية؟ فالمرضى تخوفوا من الدواء الهندي لتأثيره على مجموعة كبيرة منهم وذلك بحسب افادات المرضى في المؤتمر الصحفي لجمعية زارعي الكلى السودانية، بل ان «زارعي الكلى» يصرون على عودة الدواء السويسري، وقالوا لا يمكن ان نحرم من دواء جودته عالية لانه غالي ونجبر على تناول دواء رخيص يفتقر للجودة يعرض حياتنا للخطر، وثمة تساؤل اخير لوزارة الصحة الاتحادية لماذا التلكؤ في انفاذ قرارات مجانية علاج الكلى فالامر خطير ولا يحتمل المماطلة؟

الحلقة القادمة
نلتقي بالامدادات الطبية ووزارة الصحة الاتحادية ووزارة المالية لاستجلاء الحقائق كاملة حتى يجد زارعو الكلى حلاً لمعاناتهم ومن ثم توضيح الحقائق كاملة.

يوسف محمد زين :الراي العام