زهير السراج

وما أدراك ما الجامعة


[ALIGN=CENTER]وما أدراك ما الجامعة!! [/ALIGN] قد يتساءل البعض لماذا تنشغل الجامعات فى كل دول العالم باسكان الطلاب واقامة المدن الجامعية لايوائهم واستيعابهم فى أنشطة عديدة ومتنوعة تبدو للناظر غير ذات صلة بالنشاط الاكاديمى مثل ضروب الرياضة والانشطة الثقافية والاجتماعية المختلفة… إلخ، هل هو نوع من انواع الكسب المادى وجني الاموال، ام (قلة شغلة) وتكبير كيمان أم ترف فكري، كما يظن البعض؟!
* فى حقيقة الامر فإن المسألة أكبر من ذلك بكثير جدا، أكبر من مجرد إيواء طلاب لتسهيل العمل الاكاديمى المرهق عليهم بتقريب المسافة بين مكان الدراسة ومكان السكن، أو استيعابهم فى أنشطة لتزجية الفراغ، او لتوفير أموال اضافية للمساعدة فى الصرف على الانشطة الجامعية المختلفة!! بالتأكيد هى ليست كذلك وان كانت تلك أعمال مشروعة ومطلوبة بل وضرورية لا غنى لأية جامعة عنها لاستكمال مهمتها وتحقيق أهدافها التى من أجلها أنشئت!!
* مهمة الجامعة الاولى أيها السادة هى بناء الانسان الصالح لمجتمعه، وللانسانية جمعاء، وليس فقط منح الدرجات الاكاديمية التى تساعد الخريجين فى الحصول على الوظائف والاعتماد المادى على أنفسهم، وان كان ذلك أيضا احدى المهام المشروعة والاساسية والضرورية لأية جامعة وإلا لم تكن جامعة!!
* بناء الانسان الصالح لا يكون فقط بالدراسة الاكاديمية والتحصيل العلمى، خاصة ان الفترة التى يتلقى فيها الانسان علومه الجامعية، هى أخصب فترات حياته على الاطلاق التى يستكمل فيها تكوين شخصيته ويرسم خارطة الطريق لمستقبله ويرسي أسس علاقته بالآخرين فى العالم الذى سيعيش فيه ويؤثرعليه ويتأثر به، ومن هنا نبعت فكرة وفلسفة الجامعة التى تساعد الانسان على ان يكون انسانا صالحا، وليس طالبا مجدا فقط. ولتنزيل هذه الفلسفة وهذه الفكرة الى أرض الواقع لابد للجامعة ان تتحول الى مجتمع متكامل يعيش فيه الطالب الحياة بكل ضروبها واشكالها ويتعلم الاعتماد على النفس والتعاون مع الاخرين وينهل القيم التى تجعله انسانا صالحا لنفسه ومجتمعه وانسانيته فى المستقبل القريب، ويكون ذلك عبر المزايا المختلفة التى تتيسر له فى الجامعة بدءا من الحياة المشتركة مع الاخرين فى المجمعات السكنية، والانشطة الثقافية والرياضية والاجتماعية.. إلخ، بالاضافة الى الانشطة الاكاديمية والعلمية التى تجتهد الجامعة لكى تكون فى المستوى المطلوب بمختلف الوسائل والامكانيات المتاحة والافكار المتجددة ما وجدت الى ذلك سبيلا. ولكى تتحول الجامعة الى مجتمع متكامل لا بد ان تتوفر لها الادوات المطلوبة ومن بين ذلك المدن الجامعية بكل احتياجاتها المادية التى تتأسس على المنهج الفلسفى والفكرى الذى تنطلق منه الجامعة وهو بناء الانسان الصالح. هذه هى الجامعة التى يفهمها ويعترف بها كل من يدرك خطورة وأهمية العبء الذى يقع على كاهلها والمهمة الكبيرة التى تضطلع بها، وهى ليست مجرد قاعات ومعامل يحتشد فيها الطلاب بعض الوقت ليتخرجوا منها فيما بعد بدرجات أكاديمية خالية من أى تجربة انسانية عميقة تفيد صاحبها فى مساعدة نفسه ومجتمعه وانسانيته!!
* مناسبة هذا الحديث هو ما تتعرض له طالبات الدراسات العليا بكليات الزراعة والبيطرة والانتاج الحيوانى بجامعة الخرطوم اللائى يقمن باحدى الداخليات بمجمع شمبات، من مضايقات عديدة من بينها قطع الماء عن الداخلية واغلاق الحمامات وهدم السور الفاصل بين الداخلية وكلية الغابات والسماح لعمال البناء بالدخول الى حرم الداخلية للقيام بأعمال البناء فى وجود الطالبات مما أدى لانتهاك كبير لخصوصيتهن، وكشفهن أمام النظارة، وذلك لأن إدارة كلية الغابات ترى ان المبنى تابع لها ولا يجوز استخدامه لسكن الطالبات، فاستخدمت كل مواهبها لارغامهن على مغادرة المبنى بدون ان تضع فى اعتبارها أى قيم مجتمعية أو جامعية، فهل هذا هو ما نطمح اليه من حياة جامعية بكل قيمها ومعانيها النبيلة؟!

drzoheirali@yahoo.com
مناظير – صحيفة السوداني – العدد رقم: – 2009-05-3


تعليق واحد

  1. الاستاذ زهير نشكرك على هذا المقال الرئع وحقيقة تعجبنى كل كتاباتك
    وليت جامعتنا تصل لمستوى هذا الفهم ولكن لا حياة لمن تنادى;( ;(

  2. والله مايشدنا الي كتاباتك هو هذا الانحياز الجميل الي المغلوبين علي أمرهم في
    هذا البلد واحساسك النبيل بمعاناة الناس … وليتهم يفهمون .. ليتهم يفهمون ..
    ليتهم … !! لك مليوون سلام ومتعك الله بالصحة والعافية ..