نزل المطر
الأمطار الميمونة التي هطلت مساء أمس الأول لتذهب عنا القيظ والهجير والحرارة المرتفعة التي تلظينا بها مؤخرا.. قد لا تتجاوز وفق إحصاءات الرصد الجوي بعض السنتمترات المكعبة في طول البلاد وعرضها!
بيد أنها تركت آثارها بركا صغيرة متجمعة على الطرقات وبقعا من الطين اللزج الممجوج الذي يصلح لتشبيه بعض الناس في حياتنا. الشيء الذي جعل متعتنا بذلك الجو المنعش اللطيف ناقصة، ومحكومة بالكثير من القلق والتوجس مما إذا كانت الجهات المعنية على استعداد للخريف المقبل الذي هلت تباشيره أم أنها ستفاجأ به مثل كل الأعوام السابقة وتتركنا للغرق والحصار وتعطيل مصالحنا وتعكير مزاجنا؟!!
والمعلوم أننا بلد المفاجآت.. يفاجئنا الخريف وفيضانه.. ويفاجئنا رمضان.. وتفاجئنا المدارس.. وتفاجئنا حتى مناسباتنا الخاصة المعلومة!!!. ولا نلبث أن نبدأ بالركض والتباكي والجزع كوننا لم نكن على أهبة الاستعداد لاستقبال مثل هذة الأحداث الكبيرة.. ومبرراتنا دوما حاضرة.. ونعلقها جميعها على شماعة الإمكانيات التي ناءت بحمولها الجسام!!
والمتابع لحركة الاستعداد النوعية المتكاسلة في الشوارع والتي لا تتجاوز حفر بعض المجاري الصغيرة التي سنكتشف عند أول هطول جاد للأمطار أنها غير مجدية.. سيكتشف أيضا أن الأمر لا يتم وفق دراية هندسية متخصصة.. لا في اختيار الموقع ولا شكل المجرى ومساحته وسعته ولا حتى في المخلفات الترابية التي تتكدس على جانبيه مصحوبة بقدر وافر من الأوساخ في مظهر شائن ومقزز يشعرك بالأسف على هكذا عاصمة!!! علما بأن حديث المفاجآت هذا عن الخرطوم فحسب وأننا لم نخرج بعد لنتجول في بقية الولايات والمناطق الواقعة على هامش اهتمامات المسؤولين والأجهزة الخدمية إن لم تكن خارجها تماما!!
ترى ماذا نتوقع في بلد تتسبب فيه رياح متوسطة لم تتجاوز الدقائق المعدودة في سقوط لافتة إعلانية كبيرة على عدد من المشجعين المتفائلين في إستاد عريق يحمل اسم العاصمة وتتسبب في وفاة أحدهم وإصابة البعض؟!!
ومن المسؤول عن هذا الحادث الكبير في معناه وأبعاده الإنسانية؟!. وهل سيتم تقديم جهة ما للمساءلة القانونية سواء إدارة الإستاد أو الشركة المعلنة والمنفصة؟!! أم سنكتفي بالرضا التام بقضاء الله وقدره ونتداول الحكاية بضعة أيام ثم تلحق بأخريات إلى عالم النسيان؟!
نزل المطر.. وبرد الجو.. وفرح الأطفال.. وانتعشت الأرواح.. وابتهج الزرع والضرع.. ولكن بالمقابل ثم ماذا؟.. وكيف؟.. وما هي النتائج المتوقعة والتكهنات والخطط الموضوعة للتعامل مع الخريف في بلادي التي تفتقر للأسفلت وتعج بالتربة الطينية ويقع بعضها _ بحسب تصريحات كل عام _ في مجرى السيل؟!!
أتمنى أن تكون نظرتي المتشائمة في غير محلها.. وأن يدحض أحدهم بعض افتراءاتي كونه سيؤدي مسؤولياته بضمير ولن يحاول أن يجعل من الخريف واستعداداته وتسريحاته مجرد مأكلة لا يمكن التحلل منها كونها ستذهب (شمار) في (مرقة) الأمطار !!
تلويح:
لا تجعلونا ندفع فاتورة الدعاش.. فأرواحنا الفقيرة لا تملك سوى بعض هذا الانتعاش!
إندياح – صحيفة اليوم التالي