الطاهر ساتي

تعاطي الممنوعات من غناء ودراجات


[JUSTIFY]
تعاطي الممنوعات من غناء ودراجات

استطيع أن أقول بكل فخر واعتزاز بأنني سبقت عصري بل يخيّل إلي أنني المقصود بأغنية: الفريد في عصرك/ والزمان زمانك، فأنا في سن العاشرة أو فوقها بأشهر، شربت الكولا المثلجة، وتعاطيت الآيسكريم والسجق ودخلت دار السينما، واكتشفت أن أبي لا يقل شأنا عن عمدة بلدتنا محجوب عبدالكريم الذي كان علية القوم يحضرون مجلسه كل مساء للاستماع إلى الراديو، فقد كان لأبي راديو في حجم ثلاجات الفنادق يعمل بالكهرباء، وكان من حقي أن أجلس قبالة الراديو لأسمع كل الأغاني التي تعجبني، ولكن عباس أب شنب غضب علي ذات مرة غضبة مضرية، عندما ضبطني متلبسا بالاستماع لأغنية للمطرب الراحل إبراهيم عوض، الذي لم أكن قد استمعت إلى أي أغنية له قبل قدومي الى مقر إقامة والدي (مدينة كوستي)، وكما أوضحت في مقالات قديمة فقد كان جيل آبائنا يعتقد أن غناء إبراهيم عوض يفسد الأخلاق، وكان ذلك لأنه كان رائد أغاني السامبا في السودان وكانت مفردات أغانيه بسيطة ومستقاة من لغة الحياة اليومية، ولضمان نفوري من إبراهيم عوض قال أبي عنه إنه شايقي وشيوعي، والشايقي لجيل أبي من النوبيين هو العدو التاريخي، الذي لا صلح ولا تفاوض معه (فات على والدي أن معظم جيرانه وأصدقائه في الحي من قبيلة الشايقية)، أما الشيوعي فهو «كافر عديل» حسب قوله، ونحن في السودان نستخدم كلمة «عديل» بشكل ليس فيه عدل أو استقامة مع أن المفردة تعني عكس «المعوج»، فتسمعنا نقول: فلان منحرف عديل.. فلان حرامي عديل (ودي تيجي إزاي؟ ما اعرفش، فأنا عربي مستنسخ).
وكان لابد من استكمال الطفرة الحضارية بركوب العجلة (الدراجة)، فقد كان معظم أهل مدينة كوستي يتنقلون بالدراجات وكان قرب مطعم والدي محل لتأجير العجلات يديره فلاتي اسمه حبيب وكان رجلا «حبوب»، وذهبت إليه حاملا قرشين ونصف القرش ليسمح لي باستئجار عجلة، ولكنه كان يعرف أنني لا أعرف طريقة قيادتها فاقترح علي أن استعين بقريب لنا كان يعرفه، ونذهب الى شارع الأسفلت المنحدر من أمام مركز البوليس مرورا بالمجلسين البلدي والريفي لأن انحدار الشارع سيساعد الدراجة على التدحرج وأجد نفسي أبدل «وكلها كم يوم وتقدر تسوق العجلة»، وهكذا استعنت بقريبي وذهبنا الى الشارع المنحدر وركبت الدراجة فإذا بها تهوي كنيزك من السماء وأنا أصيح «ويبيووو» وهي الصيحة النوبية التي تعادل «يا لهوي» المصرية، وعندما اشتد بي الرعب حاولت القفز من على الدراجة المسرعة، فإذا بها تطير وتقع على جسمي فارتطمنا سويا بالأسفلت وأصبت بكدمات في الركبة والساقين ما تزال آثارها باقية حتى اليوم، وطلبت من قريبي أن يعيد الدراجة إلى صاحبها وأن يناشده أن يسترني ولا يشكوني لأبي لأنني ألحقت بالدراجة عاهات مستديمة، وتوجهت إلى البيت وأنا أئن وأعرج وزعمت أنني فقدت توازني وأنا أجتاز قضيب السكة حديد الذي لابد من اجتيازه للوصول إلى بيتنا، وانطلت الكذبة على الجميع وكان حبيب العجلاتي «أصيلا» وتكتم على أمر الدراجة التي أصبحت تشبه طبق شعيرية سيء الطبخ.
وبعدها بسنوات صارت كوستي وطني الثاني وتعلمت ركوب الدراجة بمهارة ولكن أبي «قرف عيشتي» ففي عز هجير النهار كان يصيح: جافر روح جيبي بتيش (بطيخ) من السوق، فأخرج والشمس تسلخ فروة رأسي وأعود والبطيخة في السرج الخلفي تتأرجح فأقوم بمناورات تنجح أحيانا في الإبقاء على الدراجة ثابتة ولكن يا ما سقطت مني كذا بطيخة ونلت شتائم من شاكلة: قبي.. كج نندي (الحمار الذكر وهو في القاموس النوبي أكثر غباء من أنثاه/الأتان).
[/JUSTIFY]

الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]


تعليق واحد