مسافر تحت «كفالة» امرأة
قبل نحو عشر ساعات، كنت قد سافرت جوا للمرة الثانية خلال عشرة أيام، وحقيقة الأمر هي أن معدل سفراتي بالطائرة في السنة الواحدة أكثر من عدد سفرات الرئيس الأمريكي الذي تحت تصرفه طائرة خاصة اسمها إيرفورس ون، وهذا يا جماعة والله إنجاز يستحق الإشادة والتقدير، ولو كانت هناك جائزة نوبل للطفرات الحضارية لكان صاحبكم قد فاز بها نحو عشر مرات: فعندما كان عمري عشر سنوات كنت أشرب الماء من النيل مباشرة وأحيانا من أي جدول يشق المزارع، ومع هذا فبحمد الله لا توجد في كليتي «حصواية» واحدة، والحصواية هي بيبي الحصوة الي تترسب في الكلى أو الحالب (ذات مرة وأنا طالب في المرحلة الثانوية أحسست بسخونة تصحب التبول، وقال لي الطبيب ضمن ما قال: ربما تكون عندك حصوة في الحالب، فزعلت زعلا شديدا وقلت له: أنا رجل من ظهر رجل، بل أرجل منك.. وباختصار فقد كانت تلك أول مرة أسمع فيها بكلمة «حالب»، واعتقدت ان الطبيب يشكك في رجولتي ويقول إن في جسمي غدة أو ماسورة خاصة تدر الحليب، ولا تعتقد أن رد فعلي ذلك كان ناجما عن جهل بأعضاء الجسم، بل نجم عن أنني مثل جميع أبناء وبنات جيلي في السودان كنت أدرس الأحياء والكيمياء والرياضيات وكافة العلوم ما عدا الديني منها باللغة الإنجليزية، وبالتالي لو قال لي إن الحصوة في الـ «يوريتر» لما حدث سوء تفاهم).. المهم أنني وقبل أن أكمل سن ال11 كنت قد شربت الماء المثلج وذقت طعم الآيسكريم البلدي (الدندرمة)، وأعتقد أنني ما بين سن السادسة والرابعة عشر مشيت على قدميّ ما لا يقل عن 2000 كيلومتر: تعال نحسبها: فمن وإلى المدرسة الابتدائية كنت أسير يوميا نحو 8 كيلومترات، وبعد دخولي المدرسة المتوسطة في بلدة «البرقيق»، كنت في كل عطلة نهاية أسبوع أسير منها وإليها أكثر من عشرين كيلومترا، وأذكر أنه حتى بعد أن استقر بي المقام في مدينة كوستي بكل بهائها وحافلاتها وتاكسياتها كنا مثلا في عيد الفطر نغادر البيت إلى الصلاة ولا نعود إلا بعد صلاة المغرب لأننا كنا طوال النهار نطوف على بيوت الأقارب والأصدقاء سيرا على الأقدام وكنا من الناحية العملية/ الحسابية نطوف المدينة من أقصاها إلى أقصاها، وإلى يومنا هذا فإن أقوى عضلة في جسمي هي عضلة الساق، ولكنني لو استخدمتها اليوم لربع ساعة فلابد من لزوم السرير لأربعة أيام.
الكلام جاب الكلام، وتحدثت عن رحلتي الجوية الأخيرة ليس لأنها إنجاز إضافي في سجل قروي لو كانت قوات بلاده المسلحة تعرف قدراته الفذة لجعلته قائدا لسلاح المشاة قبل أن يبلغ العشرين، ولكن لأن القبطان الذي خاطبنا قبل الإقلاع كانت امرأة: الكابتن فلانة الفلانية ومساعدها فلان الفلاني يبلغانكم التحية ويتمنون لكم رحلة سعيدة.. الله أكبر.. «هي حصّلت».. باختصار اختفى أبو الجعافر المسوي حاله متحضر وطفحت جينات التخلف: حتى ركوب المرأة للحمار لا يسمح به أهلنا إلا للضرورات القصوى.. تجي وليّة تعمل فيها سواق لطائرة بوينغ وتقول بكل جرأة إننا سنحلق على ارتفاع 35 ألف قدم.. لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وبعدين يا أبو الجعافر أنت تعرف أن النساء أقل طيشا حتى في قيادة الدراجات والسيارات وبالتالي فأنت في يد أمينة، بإذن الله، وأقلعنا وهبطنا «زي الحلاوة».. والله عشت وشفت يا ابو الجعافر بنات خلف مقود السيارات، بل ورأيت من تمسك بالمقود بيد والموبايل بيد أخرى، ثم ركبت طائرة تقودها «كابتنة»، دون أن تصيح: نزلوني!! أنت الذي كنت تتناول قرصي فاليوم قبل كل رحلة جوية.
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]
ما حصل قرات مقالا للاستاذ ابو الجعافر الا تحدث عن نفسه وعن دراسته وهو طبعا ساخر بدرجة وزير متعك الله بالصحة والعافية وجعلك لنا ذخرا في قناة الجزيرة