أبشر الماحي الصائم

شاشة الشيوعيين

[JUSTIFY]
شاشة الشيوعيين

*يُحسب للحزب الشيوعي السوداني عبر مسيرته الممتدة المغنية، أنه لم يعتمد يوماً ثقافة (تقديم الخدمة) مقابل الولاء والانتماء على الأقل، كما تعتمد الأحزاب والمدارس الإسلامية أدبيات مساعدة أعضائها والآخرين، ذلك على افتراض أن الحزب غير الفكرة والمنهج مطالب أمام الجماهير بتحويل شعاراته إلى خبز وخدمات يحتاجها الناس في اليوم والليلة مرات عديدة.
*فعلى سبيل المثال، إن المدرسة الصوفية هي التي أنتجت عبر تاريخها أطروحة (الكسرة والانكسار)، أن تقدم للناس العجين، ثم يخضع الناس للشيوخ ولله رب العالمين. ومن مقولات الشيخ ود بدر التي احتفى بها كثير (أكان ما الكسرة.. ما جات الناس منكسرة)، ثم أطروحة (أكان ما عجيني منو البجيني)، والناس تقبل للمسائد والخلاوي للقرآن والصلح والإصلاح على متن العجين وإكسير الكسرة.. (فلا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس…) الآية..
*والإسلاميون صنعوا للخدمات مؤسسات بأكملها، ويذكر في هذا المقام منظمة الدعوة الإسلامية، التي فتحت على كسرتها وعجينها وعلاجها آذاناً صماً وقلوباً غلفاً في الأدغال والغابات والصحاري، تدخل للناس بالكسرة والعصيدة، فتخرج بالفكرة والعقيدة.
*لم يكتف الشيوعيون عبر تاريخهم بمبدأ الرهان على النظرية التجريدية دونما دعمها وتعزيزها بخدمة إعاشية فحسب، بل قد راهنوا دائماً على الفقر والفقراء والبلوتاريا، حتى إن لم تكن فقيراً معدماً عليك أن تنتحل صفة الفقراء وتنتعل (بوت العمال والدهماء)، لا أعرف حزباً يحتفي بالفقر كحالة ويرسخ لها بين كوادره مثل الحزب الشيوعي، فالشيوعي فقير ولو سكن الأحياء الراقية وركب السيارات الفارهة كما لو أن الثراء خيانة للماركسية.
*وفي هذا السياق لو سُئلت عن أكثر الأحزاب التي تحرض على الاضرابات والاحتجاجات والتوقف عن العمل في تاريخنا السياسي السوداني، لوجدت الأحزاب اليسارية على صدارة هذا الأدب، لم يعرف لهذه المدرسة (مشروعات إنتاجية)، كما الآخرين فليس بالضرورة أن تكون في السلطة لتنتج، فأعظم مشروعات الإسلاميين صنعوها عندما لم يكونوا في السلطة، تذكر في هذا السياق مصارف وشركات ومنظمات وخدمات، لا يعقل أن لا أنتج ثم أطالب على تجريد الأثرياء والمنتجين من أموالهم.
*والحال هذه، يفترض أن نقف طويلاً عند (شاشة الشيوعيين) التي نصبوها للفقراء لمشاهدة ماراثونات كأس العالم، فقد ترقى هذه الحادثة إلى درجة (التحول الدراماتيكي) في وسائل الجذب في ظل (الفقر الجماهيري) الذي يكابده اليساريون في العقود الأخيرة، إذا أدرك اليسار عموماً في أزمنة الحاجة والعوز التي تضرب العالم كله، أن النظريات المجردة لا تصنع خبزاً، وقديماً قال أهلنا في البادية: (الزول يونسو غرضو).
*فمع كل شاشة بركة وحركة، فهذا زمان العجين والخبز والفيتريتة إن لم يكن كل تكية أو مزرعة، فليس كل جماهير.
*فربما (وجبة عصيدة) واحدة أعظم من ألف خطبة عصماء دسمة بمفردات البلوتاريا وكورالات الفكرة وإيقاعات النضال التي لا تطعم جائعاً ولا تؤمن خائفاً ولا تأوي مشرداً ولا ترفد عقيدة ولا تحسن خاتمة.
[/JUSTIFY]

ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]Malazat123@gmail.com[/EMAIL]