لقاء مشار.. خبطة العمر
*تكمن أهمية وعبقرية لقاء (اليوم التالي) مع الدكتور مشار، أحد أشهر أقطاب الأزمة السودانية الجنوبية، في عدة معطيات ومسوغات.
*ربما كانت القيمة الأولى لهذا اللقاء تكمن في أنه وفر (خدمة وطنية) هائلة للدولة السودانية، وذلك من حث المعلومات والمعطيات التي تدفقت فيه، والتي بمقدورها أن تؤسس لرؤية إصلاحية توافقية يمكن أن يُبنى عليها.
*القيمة الثانية تعود لمجمل الممارسة الصحفية السودانية، إذ أنه بالإمكان في أزمنة اليأس وأيام الصمت وانحسار المبادرات الدبلوماسية، وتراجع الهمم الإقليمية وارتفاع صوت البندقية، يمكن للصحافة أن تضطلع بأدوار محورية إيجابية لإحياء الأمل وإعلاء صوت العقل وتحريك مكونات ومكنونات التسوية.
*وتحتدم أيضاً مكتسبات الصحافة من مثل هذه الاختراقات الإعلامية، بحيث لا تكون طوال الوقت ناقلة ومستهلكة لبضاعة السياسيين الكاسدة، بل في الإمكان أن تصنع المبادرات وتفتح المسارات وتساهم في تطهير القنوات التي يعوقها طمي (الأجندات الخاصة) وطفح الممارسات السياسية الفاسدة.
*تكمن عبقرية هذا اللقاء في توقيته، إذ أن كل الحلول الإقليمية والدولية كانت في لحظة يأس وتراجع لدرجة عودة الرفاق إلى لغة البندقية كسبيل أرجح لجني المكتسبات.
*بحيث أثبت (حوار اليوم التالي) مع الدكتور مشار أن الحل ممكن (على يد الخرطوم) هذه المرة، ويفترض أن دبلوماسيتنا تلتقط قفاز هذه الإرادة الجديدة لتجعل من زيادة مشار المرتقبة بارقة أمل، بدلاً من أن تكون (خميرة عكننة) جديدة كما يسعى بذلك بعض الخبَّازين بالقطيعة بين البلدين..
*ما عجزت عن توفيره الدبلوماسية من (تحريك لبركة الأزمة الأسنة الراكدة) نجحت فيه (الصحافة) التي قال فيها بعض الساسة في الفترة الأخيرة ما لم يقله مالك في الخمر، (لدرجة اللعنة) لحاملها وطابعها وكاتبها وموزعها وعاصر بذرة وثمرة فكرتها..
*ثمة شيء آخر، لو أن في تاريخ أي صحافي حدث يستحق أن يضاف إلى سيرته المهنية الذاتية، أتصور أن هذا (اللقاء النوعي) الباهر يستحق أن يكتب في مسيرة الأخ مزمل أبو القاسم، ليس لأنه كان مسيرة رحلة جوية ماراثونية بين الخرطوم وأديس أبابا فحسب، بل لعنصر المفاجأة أيضاً والمباغتة، ومن ثم تحريك المسرح السياسي بأكمله غير أن درجة (الاستعانة بالكتمان) كانت عالية وباهرة جداً.
*إن كانت هنالك رسائل سياسية ودبلوماسية عديدة في متن هذا اللقاء، فثمة درس أكثر إبهاراً في (الساحة الصحفية) يصلح لتأسيس أدب جديد يمكن أن يقلب أدب مدرستنا السودانية التي تعتمد فعالية الكتاب رأساً على عقب، على أن يكون عنصر المفاجأة والجرأة المباغتة هو الأجدر، كأن تخطط صحافتنا لإعلاء (الأدب الرأسي) الباهر ليصبح التمدد الأفقي والاحتشاد التحريري ضربين من الدرجة الثانية.
*أخي مزمل في أزمنة الشح الأخباري، يحسب لك ولـ (اليوم التالي) هذا التدفق المهني الوفير الذي فاض وغمر الساحة الصحفية بأكملها، على أن الصحافة مؤهلة لقيادة المجتمع والدولة والحكومة متى ما امتلكت الرغبة والإرادة.
ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]Malazat123@gmail.com[/EMAIL]