حديث العطر للأشواق

* قالت لي وعيناها تضجان بالشوق: “يعذبني عطره.. يفجر كل حنيني إليه.. أحاول أن أعانده وأكتم أنفاسي.. أمام عنادي تتعبأ خياشيمي به أكثر!! خبأت كل زجاجاته.. ورميت عبوات مزيل العرق في سلة إهمالي، ورغم كل تلك الجهود التي أبذلها للهروب من سطوة الأريج المفضل لديه أضبط نفسي متلبسة بالتلصص على ياقات قمصانه ووسادته الأثيرة، أستطلع بعض العبير.
أكثر ما شدني إليه يوماً أناقته المفرطة وحذاؤه اللامع وعطره اللطيف. لا تندهشي.. فالفرنسيون معقل الجمال – يؤكدون أن أناقة الرجل تبدأ بحذائه وتعتمد كلياً على عطره”!!
هكذا استكمل صورته الجميلة في عيون الناس.. مستنداً إلى جانب ذلك على روحه الطيبة وأخلاق (الجنتلمان) التي تميزه بالفطرة.
* يحبه الجميع دون استثناء.. وهذا ما جعلني دائمة القلق من أن تسرقه مني إحدى الحسان اللائي يتحلقن حوله في انتظار سانحة ملائمة للتقرب إليه والتمتع بوصاله الحميد.
كان راقياً وطموحاً.. ذكياً وناجحاً.. جذاباً ورومانسياً.. متسع الأفق وواسع الحنان، وهو كل ما تتمنا النساء في الرجال.
أحببته.. والحب لمثله حق.. وتمتعت بكل مزاياه بالقدر الذي صالحني على السعادة وقلب موازيني وغير أفكاري وأحلامي.
حاولت كثيراً أن أسبغ على مشاعري تجاهه الوقار اللازم حتى أحميه من العيون والعوازل والحساد على الأقل.
ربما شعور خفي بالدونية كان أحد دوافعي لذلك التكتم بالمقابل, غير أنني عجزت عن الاحتفاظ بهدوئي ولامبالاتي في حضرته طويلاً.. وكلما وجدت الناس يتحدثون عنه بإعجاب أو حتى تحفظ بذلت جهد الأنبياء كي لا أصرخ (هو لي).
* علاقة المرأة بعطر رجل تحبه علاقة غريبة وغامضة.. تألفه وتصادقه حتى إذا ما تنسمته في أي أحد شعرت برغبة قوية في الإعراب عن استنكار ذلك وكأنما هذا العطر الذي صنع للجميع أصبح حكراً على رجلها!! أينما فاح ذلك العبير طافت بذهنها مشاهد وذكريات حميمة وغالية.
ولأنها (كائن عاطفى) – كما جرى على لسان البشرية – فإنها تتقن عدة لغات للتواصل مع قلبها وإحساسها.. ويضج الدم في عروقها لأسباب عديدة قد تبدو في نظر الآخرين الرجال تحديداً – غير ذات أثر! لهذا يخسر الرجل الذي لا يفهم سر العلاقة بين النساء والطيب الكثير.. فالمرأة تقول الكثير بعطرها وتفهم الكثير أيضاً من عطرك. للحظة يا عزيزي – يكون عطرك هو عنوانك ولسانك.. فصنه لتكسب امرأة ما تعنيك.
* واعلموا أنه ومهما غالينا في إخفاء عواطفنا فإنها تضوع.. يظهر الولع جلياً في نظراتنا ولفتاتنا وردود أفعالنا.. وحين يرتفع معدل (الإدرينالين) بأعماقنا يفوح عبير الارتباك الناجم عن ضجة الشوق والإعجاب.
ولماذا نخفي مشاعرنا؟.. ربما لنستمتع بذلك الغموض المحبب الذي يشعل نيران الصبابة. لهذا تكون الأيام الأولى من عمر أي علاقة عاطفية ذات خصوصية تظل خالدة في خاطر الذكريات, فالخوف من المصارحة.. ومتعة الوقوف على أطراف أصابع الحب لا تضاهيها متعة.. ولكن المؤسف أن هذا كان على أيامنا.. حين كنا نعطر المناديل والخطابات ونتهادى بالورود وزجاجات العطر.. الآن المسجات والبريد الإلكتروني وغرف الدردشة لا يضوع منها سوى دخان التبغ وغيره.
والمناديل إن وجدت – فإنها تحمل بقايا عطور مصنوعة.. (مركبة) ومزيفة، تغلب عليها رائحة (السبيرتو) الذي كان يستخدم في تضميد كل الجروح إلا جراح القلوب!!
تلويح:
(عطر).. يتسلق ذاكرتي.. يغازل أشواقي ويحادثها.. يجعلني أتنهد.. يشعرني في ذروة غيابك بالانتعاش!
[/JUSTIFY]إندياح – صحيفة اليوم التالي