أبشر الماحي الصائم

مواسم العودة لأبو دليق


[JUSTIFY]
مواسم العودة لأبو دليق

*دعوني أبدأ من هناك..

*كان ذلك على عصر المحافظ عبد القادر محمد زين.

*كتبت يومها مقالاً باهظاً تحت عنان (وبكينا جهراً أشواقنا وبكينا سراً عبد القادر)..

*غداة نشر هذا المقال كانت عربة السيد المحافظ ببيارقها تتوغل داخل الأزقة تسأل عن كاتب مغمور يدعى أبشر الماحي..

*كنت أعتقد يومها أن شرق النيل هي الجريفات وأمدوم والحاج يوسف، والرجل المعتمد يأخذني في رحلة عبر الضهاري والصحاري لأكتشف عوالم جديدة، على أن مملكة الرجل زين مهمومة أكبر مما كان يتصور قلمي.

*وهذه تذكرني بواقعة طريفة من مضاربنا، أن أحد أعمامنا كان لأول مرة يخرج من القرية في رحلة إلى دامر المجذوب، ثمانين كيلومتراً، فلمَّا بلغ الدامر قال (والله يا جماعة الكون دا أتاريه واسع خلاص)!

*وفي هذا السياق، أطربني جداً توصيف الأخ السيد إبراهيم الميرغني، الذي نشأ وترعرع تحت سفح جبل توتيل بضاحية الختمية بكسلا، قال كنت أتصور وأنا صغير أن الحياة تنتهي وراء هذا الجبل.

*يومها اكتشفت أبو دليق عاصمة البطاحين التاريخية، ومعقل آل طلحة حيث النظارة والسيف والكرم، غير أن ديوان الناظر محمد صديق طلحة قد أثار شجوني واهتمامي، لكون تلك القطعة الأثرية المعمارية تختزن تاريخاً بأكمله، لقد كان هذا الديوان منزلة للحاكم الإنجليزي، مروراً بالسيد علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي ونميري وسوار الدهب.. وصولاً للمشير البشير.

*بالأمس تركت هذه المساحة تتزين بكلمة شكر من آل طلحة إلى رئيس الجمهورية الذي ادخرت له الأيام أن يكون شرف إنارة أبو دليق على يديه، وهو استحقاق تأخر عقوداً بأكملها، ولا أعرف دياراً أحق بأن تترصع بالخدمات من كل نوع وكل جنس مثل أبو دليق التي لها في رقاب السودانيين دم ويد سلفت ودين..

*غير أن في القصة ثمة وفاء لعزيز كبير هو الراحل الناظر خالد محمد صديق طلحة, حيث ضرب هذا الوعد والعهد على حياته، وإذا ما اكتمل هذا الصرح فإن ذلك مما يريح الرجل طلحة في مرقده الشريف، بكل مراقد آل طلحة، عليهم الرحمة والرضوان لطالما سعوا في حياتهم العامرة لجلب الخدمات لأهلهم ناظراً بعد ناظر.

* وللذين فاتهم الاستماع، إننا نحتفل الآن مع أهلنا البطاحين بزراعة أعمدة الكهرباء بين شندي وأبو دليق وعما قريب ستكتسي الأسلاك بالتيار ليمارس البطاحين هوايتهم المحببة في إراقة الشعر والدماء وإرهاق الطبل والنحاس يوم الاحتفال الجامع.

*ويفترض، والحال هذه، أن تكون خدمة الكهرباء بداية لنهضة حقيقية في هذه المنطقة التي تزخر بالثروة الحيوانية وبإنسانها النبيل وتاريخها المديد، لطالما أنفقت مقالات بأكملها عن (بحيرة البطانة) المفترضة التي تحتاج لسبعة مواسم خريفية لتمتلئ كأنها سد نهضة جديد، لتبنى على مدارجها وشواطئها نهضة عظيمة، وليس هذا كل ما هناك..
[/JUSTIFY]

ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]Malazat123@gmail.com[/EMAIL]