احلام مستغانمي
في الواقع.. لقد هزمك زياد كما هزمني
هنالك من يختارون موتهم وحدهم.. ولا يمكننا قتلهم لمجرّد كتابة رواية.
وكان يكذب.. كبطل جاهز لرواية.
كان يكابر ويدّعي أنَّ فلسطين وحدها أمّه. ويعترف أحيانًا فقط بعد أكثر من كأس، بأن لا قبر لأمّه، تلك التي دُفنَت في مقابر جماعيّة لمذبحة أولى كان اسمها تلّ الزعتر، وأنَّهم أخذوا صورًا تذكاريّة، ورفعوا علامات النصر ووقفوا بأحذيتهم على جثث.. ربما كانت بينها جثّتها.
لحظتها فقط كان يبدو لي أنّه يبكي.
فَلِمَ البكاء زياد؟
في كلّ معركة كانت لك جثّة. في كلّ مذبحة تركتَ قبرًا مجهولًا. وها أنتَ ذا تواصل بموتك منطق الأشياء. فلا شيء كان في انتظارك غير قطار الموت.
هنالك من أخذ قطار تلّ الزعتر، وهنالك من أخذ قطار بيروت 82 أو قطار صبرا وشاتيلا..
وهنا أو هناك، مَن لا يزال ينتظر رحلته الأخيرة، في مخيّم أو في بقايا بيت، أو حتَّى في بلد عربي ما..
وبين كلّ قطار وقطار.. قطار.
بين كلّ موت وموت.. موت.
فما أسعد الذين أخذوا القطار الأوَّل صديقي. ما أسعدهم وما أتعسنا أمام كلّ نشرة أخبار!
بعدهم كَثُرَت «وكالات السفريات» و«الرحلات الجماعيّة». أصبحت ظاهرة عربيّة يحترفها كلّ نظام على طريقته.
بعدهم أصبح الوطن مجرَّد محطّة. وأصبحت في أعماق كلٍّ منّا سكّة حديديّة تنتظر قطارًا ما ،يحزننا أن نأخذه.. ويحزننا أن يسافر دوننا.
(مقتطف من رواية “ذاكرة الجسد” 1993).
[/JUSTIFY]الكاتبة : أحلام مستغانمي