داليا الياس

“سقف مستعار”!!

[JUSTIFY]
“سقف مستعار”!!

# لا أفهم كثيراً في فن المعمار وهندسته وخرائطه ومواد بنائه.. ولكني معجبة بعبارة سقف مستعار هذه على اعتبار أن لها دلالات وأبعاد.. فهي تعني أنه ليس سقفاً أصيلاً ولا جزءاً طبيعياً لا يتجزأ, ولكنه مستعار.!! لا يهم لماذا ولا كيف ولا من أين تمت استعارته؟.. المهم أنه مستعار.. ولا أعلم هل هي استعارة مستردة.. أم أنها وقف دائم.. أم هبة أبدية.!؟

وأود أن أستعير بدوري العبارة لأسقطها على أحاسيس وشخوص قد يعبرون حياتنا فنستدفئ بهم ونستظل بظلهم، ثم لا نلبث أن نكتشف أنهم سقوف مستعارة!! هذا لا يعني بالضرورة أنهم يسلموننا لبرد الألم القارس أو (مطر الحزن) الذي يجدد عذاب الأرصفة, ولكنهم فقط يكتفون ببقائهم مستعارين حتى إشعار آخر.. ما يجعلهم دون أن يتعمدوا ذلك.. لا يميلون إلى التوغل في منحنياتنا وأزقتنا.. ولا يشعرون بالانتماء إلى مبانينا ومعانينا.. ولا يجتهدون في الذود عنا والترفق بنا.. لأن شعوراً داخلياً خفياً يعربد بأعماقهم ويذكرهم أنهم راحلون لا محالة.. وأنهم مجرد حالة عارضة نمر بها أو تمر بنا.!!

# المؤسف في الأمر أنك تكون أحياناً قد هجرت كل الأماكن والملاذات لتركن إليهم وتستجير بهم وتأوي إلى حماهم.. لكنهم لا يستطيعوا أن يدركوا ذلك.. لا يقدرون أن لك مشاعر مختلفة.. وأمنيات مختلفة.. واحتياجات وطريقة تفكير مختلفة عن التي لديهم.! يريدونك أن تفكر مثلهم.. وأن تنظر للأشياء عبر منظارهم.. وألا تتوقع أكثر من نواياهم.. وهم بذلك يظلمونك ويظلمون أنفسهم.. فالصراع الخفي القائم بين الممكن والمطلوب يجعل الأمور لا تخلو من شد وجذب ومناوشات وتوتر.. غير أنك تظل لائذاً بهم متشبثاً بظلهم.. ويظلون سقفك المستعار الحائر بين أن ينهال على رأسك ويسلمك للتشرد والضياع.. وبين أن يبقى على عهده لك بتوفير الحماية والأمان والستر.!

وعليك أن تتنازل قليلاً.. أن تقدر حيرتهم ورغبتهم وتقديرهم واحترامهم.. فهم يرون أن هذا أقصى ما يمكن أن يقدمونه لك وفق طبيعتهم وأسلوب حياتهم وبيئتهم وتاريخهم.. بل إنهم يرون أحياناً أن في ذلك الكثير من التضحيات التي لم يعتادوا عليها.. فلا أنصحك بمحاولة تغييرهم أو مساومتهم أو الضغط عليهم!! عش في حماهم وفق معطياتهم.. ولا تكلفهم مالا طاقة لهم به.. لأن الحياة أقصر من أن نسكب عليها اللبن الذي في كؤوسنا في انتظار بقرة حلوب قد لا تتوفر لنا قريباً في ظل الأوضاع الشاذة التي نحياها..

بل يجب أن تشكرهم على السقف الذي منحوك إياه.. والوقت والشعور والحيز الذي أتاحوه لك.. لا تكن أنانياً متطلعاً ومتطلباً.. فقد يكون هذا السقف المستعار أفضل من آخر (مسلح).. تكتشف لاحقاً أن مواده مغشوشة.. وهو قطعاً أفضل من سقف خيمة تتقاذفها الرياح.. أو(راكوبة) يغزوها الخريف.. أو(زنك) يسلمك للحر القائظ والهجير.

أحمد الله على سقفك.. اعتن به.. ولا تحمّله ما لا يحتمل من خردوات ومنقولات غير ذات جدوى ولا فائدة حتى لا ينوء بها يوماً ويتهالك.. وتذكر أن الحياة قصيرة.. تشبه تماماً (ضل الشاتي).. لا يدوم.. ولكننا نستمتع به حالما جاء.. ونبتهج في حده ونطرب بالسمر في حماه.. وليكن بناؤك متوافقاً مع سقفك وإن كان مستعاراً.. فهو على الأقل أجمل وأفضل من سواه.

# تلويح:

لا تشك خذلانك في الآخرين.. أنت الذي كان سقف تطلعاتك أعلى مما يجب.!

[/JUSTIFY]

إندياح – صحيفة اليوم التالي