عبد اللطيف البوني

قروش وعلم وجمال

[ALIGN=CENTER]قروش وعلم وجمال[/ALIGN] ( كان) التعليم الحديث من مدخلات الطبقة الوسطى في السودان، فالدولة كانت متكفلة بكل تكلفة التعليم من المعلم الى صابونة الغسيل لا بل كانت المدرسة والداخلية نقلة بالنسبة للتلميذ القادم من بيئة تقليدية ان لم نقل متخلفة، لقد استطاع أبناء الفقراء الترقي في مدارج العلم بقدر قدراتهم الذهنية واستعدادهم الفطري، فأصبحوا أفندية ولما كان الافندي يتقلب في رغد من العيش فقد اصبحوا طبقة وسطى وتجولوا لا بل وسكنوا المدن، فكونوا مع التجار والملاك فئة البرجوازية الصغيرة لم يتنكروا لاهلهم بل كانوا مادين يد العون لهم ولكنهم انتقلوا الى وضع ما كانوا بالغيه لولا التعليم وما يوفره من وظيفة مريحة واهتمامات حديثة وبهذه المناسبة تحضرني طرفة حدثت في احدى القرى حيث قرراحد أبناء أكبر اثرائها احضار الفنان بادي محمد الطيب ليغني في زواجه فسأله والده عن التكلفة فأجاب بأنها عشرون جنيهاً فرد الوالد (ليه اصلو انت موظف) والشاهد هنا ان الموظف هو القادر على الانفاق لانه (ما ضارب في القروش حجر دغش).
التزاوج كان من ابواب الدخول للطبقة الوسطى، فالافندية كان المجال مفتوحاً لهم للزواج من بنات الاثرياء لأن الاثرياء كانوا يبحثون عن مداخل للدولة والافندية يبحثون عن (الراحة)، فالاطباء والمهندسون والضباط وكل الخريجين المجال مفتوح لهم لدخول البيوت الكبيرة بغض النظر عن خلفيتهم الاجتماعية، بعض المتعلمين يبحثون عن الجمال فوجدت بنات الفقراء فرصة للانضمام للطبقة الوسطى بعض ابناء الاثرياء يبحثون عن الجمال فينزلون من طبقتهم كذلك لا بل بعض الاثرياء (يدبلون) من الاسر الفقيرة ذات الجمال باختصار (كدا يعني الجمال كان رأسمال كما غنى المغني).
الشاهد في الفقرتين اعلاه ان الطبقة الوسطى كانت في حالة سيولة وتمدد وكانت تتسع كل يوم بالتعليم وبالزواج وبالكسب المادي العادي وكانت عملية التحول الاجتماعي تتم بسلاسة وبسرعة، فليس هناك متاريس كبيرة فأوضاع الشباب من الجنسين تتغير وتتبدل ما بين يوم وليلة والتحول من طبقة الى طبقة يتم بآليات كثيرة وهذا يعطي المجتمع حالة حيوية، فطالما ان الطريق مفتوح للترقي فان هذا يعطي الثقة في النفس ويبعد اليأس، والمعروف ان الطبقة الوسطى هي الطبقة المبدعة وهي التي تحفظ توازن المجتمع، فالخوف من السقوط في طبقة الفقراء والتطلع للانضمام للطبقة الاعلى هوالذي يوجد التوتر (اللذيذ) الذي يولد الابداع.
ودارت الأيام وانسحبت الدولة من قطاع التعليم، فلم يعد التعليم العام المفضي للتعليم العالي متاحا لعموم ابناء السودان واصبح مرتبطا بالقدرة المالية وانهارت طبقة الافندية لأن الوظيفة لم تعد مجزية، فلم يعد التعليم ولا المتعلمين (الافندية) في اتون الطبقة الوسطى، فضمرت الطبقة الوسطى فمعظمها نزل الى الطبقة الدنيا والقليل منها انضم للطبقة العليا التي اصبحت لها احياؤها وثقافتها الخاصة فأصبحت تتزاوج فيما بينها فالحسان و(المتحسنات) فيها ازداد عددهن فكانت النتيجة نهاية السيولة الطبقية وتوقف الحراك بين الطبقات فظهر استقطاب حاد بين (كومين) كوم فيه القروش والتعليم والجمال وكوم آخر فيه الفقر والجهل وعدم الجمال(وهذه لزوم التلطيف) ولا عزاء لناس قريعتي راحت.

صحيفة الرأي العام – حاطب ليل
العدد(22691) بتاريخ 2/6/2009)
aalbony@yahoo.com

تعليق واحد

  1. تحليل واقعي ولطيف يا دكتور البوني متعك الله بالصحةو العافية
    بما انك صحفي ومحكوم بقانون الصحافةواي تعبير منك( ماياهو) يفسر لغير صالحك وعشان كدة انا اشيل منك الحرج في الفقرة الاخيرة من المقال واقول ليك (الققر والجهل والشنا)