لبنى عثمان

مسامحك.. ياحبيبي

[JUSTIFY]
مسامحك.. ياحبيبي

تبدو الألوان في زماننا الحالي مختلفة والمشاعر متوترة.. فسماؤنا لم تعد صافية كما كانت.. لأننا نعيش في زمن اختلفت معطياته، وتجمدت فيه اللمسة الإنسانية.. الأماكن هي الأماكن. ولكن يبقى الإحساس بتلك الأماكن الذي تغير وأصبح تغطيه طبقة جافة من الأحداث والمواقف التى تقابلنا في حياتنا.. فالمسافة بين الحلم والواقع أصبحت متسعة، لذلك فقدنا أشياءً من كينونتنا وشخصيتنا، فيها بديهيات تغافلنا عنها.
إن تركيبة الإنسان البسيطة وحقيقة الأمور في جوهرها لا تحتاج إلى تعقيد, فهذه حقائق واضحة ومعروفة لكنها تمر بحالة تغافل أو نسيان، فتصبح في طور اللامبالاة وتتلاشى ماهيتها مع إنها من الأساسيات..
فبقدر ما نكون متسامحين بقدر ما نقترب من إنسانيتنا، لأن التسامح هو أرقى الصفات الإنسانية وأرفعها وأكثرها سمواً.. وإن كان عالم المادة والسلطة واللامبالاة قد قلص من ماهيته.
إن مفهوم التسامح يأتي من مفهوم التسامح مع النفس والاعتراف ببشريتنا وما نحمله من مشاعر وأحاسيس جميلة ورفيعة، كوننا بشراً لا ملائكة.
إنه حقيقة الشعور بنقائصنا ونقاط ضعفنا التي هي جزء من تركيبة الإنسان البشرية.
فعدم التسامح مع النفس من إشكاليات ثقافتنا العربية المتجذرة داخلنا.. ما يقودنا لعدم التسامح مع الغير أيضاً.
إن الحياة جميلة في تمازج أطيافها واختلاف الرؤى والأفكار والمعتقدات والألوان، فإذا بدت لنا الحياة بلون واحد, حتماً سيكون عالماً لا يطاق.
إن مفهوم التسامح ينطلق من حقيقة أننا بشر بكل ما تحوي هذه الكلمة من معنى.. وحتى نتقبل أنفسنا لابد أن نتعلم التسامح، ونصفي قلوبنا ونملؤها بالحب والاهتمام والاحتواء، فذلك يقود نا إلى تقبل ذاتنا بنقائضها وعيوبها، ونكون أقدر على تقبل الآخرين بعيوبهم ونقائضهم، فجميعنا لدينا أخطاء وندرك ماهيتها..
إن الجحود والانزواء يولد الكره والحقد، بينما التسامح عطاء للحب والسلام.. والشعوب المسلمة أكثر الشعوب استعداداً للقيام بهذا الدور لأن روح الدين تنطلق من حقيقة التسامح.
إن القطيعة في أحكامنا لهي عامل مدمر ينتج عنها ضبابية حتى في رؤيتنا للأشياء.. وهذا يتطلب مراجعة أنفسنا لنضع الأمور في نصابها بأسلوب العقل والحكمة من أجل إنسانية الحياة العامة وتعميم النظرة التسامحية التي تعزز مبادئ الاعتدال والتحاور واحترام مبدأ الاختلاف كحقيقة أوجدها الله سبحانه وتعالى في البشر خاصة وبقية المخلوقات عامة.
الذين يسامحون دائماً هم كبار النفوس.. لذلك يكونون أكثر استقراراً في حياتهم وأقل عرضة للمشكلات الصحية، وأقل إصابة بالأمراض الخطيرة.
إن الكراهية مادة دسمة تصيبك دائماً بالآلام والأوجاع النفسية، نفقد فيها الكثير من الاعتدال النفسي، وبالتالي حياة تعيسة خالية من كل معالم الحياة الجميلة.
إن الإنسان المتسامح هو الأكثر ثقة في ذاته، وهو الأكثر قدرة على العطاء والبقاء.. والشخص الغير متسامح يتآكل من الداخل وينتهي مخزونه النفسي من الراحة والاستقرار، وبالتالي يتلاشى وأكبر دليل على ذلك التاريخ.. فالأمم التي تعيش بفكر مصادرة رأي الآخر والانتقام هي التي تخسر، والحضارات التي ازدهرت وتطورت هي التي شاعت بين أفرادها ثقافة التسامح واحترام الغير.
إن الشخص المتسامح هو صاحب القلب الكبير ذو الدواخل البيضاء لأنه يسمو بالقيم والمُثل العليا، فالتسامح نعمة إلهية وثقافة التسامح عدوى تنتشر بين الناس إذا وجدت محفزات لنشر مفاهيمها من خلال البيت والمدرسة والمسجد والإعلام.
إن التسامح ليس فقط من أجل الآخرين لكنه أيضاً من أجل أنفسنا لأن نشعر بأن الله يغفر لنا أخطاءنا وأنه موجود معنا دائماً.
شيء آخر
سامحكم الله أولاً.. وسامحكم قلبي ثانياً..
يا الوقفتم سير المركب.

(أرشيف الكاتبة)
[/JUSTIFY]

كلمات على جدار القلب – صحيفة اليوم التالي