برافو محمد لطيف

أطربني جدا.. حد الطرب والدهشة.. مقال الزميل الأخ الأستاذ محمد لطيف الذي سطره من حقول النيل الأزرق بأنفاس دعاش الخريف والزراعة والمطر.. وبرغم أني قارئ ومتابع جيد لكل ما يخطه يراع الأخ لطيف.. إلا أن هذا المقال قد تفوق بقيمة خروجيين اثنين.. خروج الأخ محمد لطيف من ضيق الخرطوم حيث الرئيس ينوم والطيارة تقوم إلى سعة الريف والحقول والرياحين والمطر.. لمَّا الرواكيب الصغيرة تصبح أكبر من مدن.. والخروج الثاني وهو لعمري الأكبر هو خروج رجل التحليل السياسي من أطر السياسة إلى رحابة الزراعة والإنتاج.. وأشد ما أطربني في مقاصد المقال الذي كتب بمسؤولية وطنية كبيرة فيما يهدف ويهدي.. هو فلسفة وطرح إعطاء أولوية بناء الطرق والبنيات والخدمات لمواقع الإنتاج، وهذا ماأنفقت في سبيله عشرات الملاذات وأرهقت له خيل مقالاتي.. وذلك لسبب بسيط هو إن رمى الفلاح طوريته وهجر مزرعته سينهد لا محالة أساس بنيان الدولة التي نهرق ونهرج ونتقاتل على سطحها وسفحها.. فيفترض أن لا تأتي الخدمات إلى المدن إلا بعد أن يكتفي منها المزارعون والرعاة والمنتجون الحقيقيون.. فلئن تركنا المزارع لنهش الباعوض وتدني خدمات الرعاية التعليمية والصحية له ولاسرته فأنه لامحالة سيرمي طوريته ويلتحق بأقرب مدينة وأغرب صنعة هامشية.. أخي محمد لقد ادركت من خلال زياراتي المتلاحقة للقضارف عاصمة الفتريتة وزهرة الشمس وثمانية مليون فدان صالحة للزراعة.. ان هذه المساحة المهولة التي تزيد على مساحة كل الدول التي نستورد منها الأجبان والألبان المجففة.. أدركت أنها معطلة ومتخلفة بسبب سوء الطرق والخدمات داخل المزارع والحقول.. لأن أوليات الميزانيات تذهب كما ذكرت لاسترضاء شغيلة الاحتجاجات والمظاهرات داخل المدن والجامعات. أخى محمد أذكر أني كتبت يوم احتفال القوم.. قوم الشيخ الخضر.. بافتتاح جسر المك نمر الذي ذهبت كلفته إلى الخمسين مليون دولار.. كتبت يومها متسائلا عن جدوى تمكين حكومة الولاية عشرات الألاف من الأفندية والمتسولين من العبور إلى وسط الخرطوم! أما كان الأجدى تمكين عشرات آلاف الترابلة من وسائل الإنتاج والخدمات المساعدة للإنتاج.. ولا ذنب لولاية الخرطوم يومئذ سوى أنها تعمل وفق مطلوبات متوارثة والتزامات جماهيرية ليس من ضمنها صناعة طرق القضارف.. فيفترض أن وزارة تخطيط قومية هي التي تضطلع بهذه المهمة الاستراتيجية ولا نملك الآن سوى وزارة خزانة مالية على رأسها محاسب صيرفي كبير!
لكننا، أخي لطيف.. إن امتلكنا بعض فضيلة الشجاعة والاعتراف.. فنحن معاشر الصحفيين شركاء في هذه الجريمة الأخلاقية الوطنية.. عندما لم نمهد الطرق التي تحمل المزاج العام السوداني من دائرة طواحين الهواء السياسية إلى دوائر الإنتاج.. غير أن السياسيين يتحملون كبر المسؤولية وترفدني تجربة مقالك الرصين هذا.. ألم يكن نتاج مبادرة سيياسية وزارية من القيادي بالحزب الوزير الباشمهندس إبراهيم محمود.. وإلا كنت مثلنا تخوض في وحل اتفاق باريس واخواتها من القضايا السياسية.. أسير أنت يا بحر ما أعظم أسرك.. أنت مثلي أيها الجبار لاتملك أمرك..
ألا نحتاج.. نحن شغيلة الحقول الصحفية.. إلى التواضع لميثاق شرف وطني قيمي يجعلنا نخصص بعض همومنا وجهودنا لرفد وخدمة قضايا الحقول الإنتاجية حتي لا ينهار ميداننا الوطني الوحيد من عدم وجوع وفقر، ونصبح ذات يوم حزين ولا نجد ميدانا نمارس فيه هواياتنا السياسية؟!
وليس هذا كل ما هناك مع وافر تقديري واحترمي.
[/SIZE][/JUSTIFY]ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]Malazat123@gmail.com[/EMAIL]

