إياك والعودة
يحكى أن ما يلي من تفاصيل، مستنبط بالكامل من دردشة قصيرة جرت بين صديقين مغتربين بإحدى الدول الخليجية، أحدهما في إجازة قصيرة الآن بالسودان لمعاودة والدته المريضة ولمتابعة علاجها في مستشفيات البلاد؛ التي صار العلاج فيها أندر من (لبن الطير)، مما دفعه إلى الاتجاه إلى أحد المستوصفات الطبية الخاصة، التي يعني التداوي فيها أن تصرف كل ما تملك إن كنت تملك شيئا أو أن تلجأ إلى كل أفراد العائلة بامتداداتهم في مختلف المدن والبلدان حتى يسهموا في العلاج إن كانت الحالة مستعصية، وحمد الصديق الله كثيرا أنه عاد من مغتربه (عامل حسابه)، وإلا لما استطاع أن يقدم لوالدته المريضة أي شيء، ولظلت تقاسي آلام المرض وأوجاعه في صبر وجلد مثلها مثل الملايين من أبناء هذه البلد المنكوبة في أمرها.
قال الراوي: نقل لي أحد الصديقين ما جرى في تلك المحادثة كالآتي: في حوارنا القصير من خلال دردشة الفيس بوك، بعد أن سألته عن أحوال الوالدة وكفرت له؛ قال لي “إياك والعودة يا صديقي”، وهو يقصد أن أظل كما أنا في بلاد الاغتراب، وكنت قبلها بفترة قصيرة قد أبديت له رغبة الرجوع إلى السودان، وأضاف: “يا رجل رغم كل شيء وكل معاناة فإن المغتربين والمهاجرين من هذه البلاد يحيون في جنة.. هنا النار عديل”. قال الراوي: واستمر الصديق في نقل ما دار بينه وبين صديقه المغترب العائد إلى السودان في إجازة قصيرة، حيث ذكر أنه رسم له صورة محزنة لحالة المرضى الذين صادفهم خلال تحركه مع والدته من طبيب إلى آخر ومن مستوصف إلى مشفى “لو رأيت تكدس المرضى وحالهم وانكسارهم ومذلتهم لتيقنت من حديثي.. إياك والعودة”. الصديق المشترك ناقل المحادثة القصيرة بدا حزينا وهو ينقل لي فحواها، ومدى السوء والتردي الذي وصلت إليه البلاد للدرجة التي باتت تقربها في أذهان أبنائها من صورة (النار) في مقابل (جنة) البلدان الأخرى!
ختم الراوي؛ قال: العلاج أو الصحة، هي الخدمة الوحيدة التي لا تقبل المساومة أو التسويف أو المزايدات السياسية، كما أن من العيب و(الفضيحة) أن يتم إخضاعها لقيم السوق ومنافسة الأسعار ومبدأ العلاج لمن يدفع!
استدرك الراوي؛ قال: بين مفهومي (الجنة والنار) تتحول حياة السودانيين في الداخل والخارج إلى (نار) فقط.
[/JUSTIFY]أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي