وصرت جليسا للـ «أكابر»
لشاعرنا الكبير الراحل صلاح أحمد إبراهيم قصيدة هجاء ممتعة في حق رجل اتهمه الشاعر بتغيير جلده ومبادئه طلبا للوجاهة: سبحان الله أخونا…./ من بعد خمول صار جليسا للوزراء/ ويداه كساقي دينكاوي / تمتد إلى كل الأشياء، ويعرف السودانيون أن إخوتهم (سابقا) وابناء عمومتهم حاليا، من قبيلة الدينكا (لأنهم صاروا ينتمون اليوم إلى جمهورية جنوب السودان المستقلة)، يمتازون بالنحافة، وطول يد الواحد منهم متر و9 سنتي، وساقه متر وربع المتر، وبالتحاقي بالعمل في السفارة البريطانية في الخرطوم صرت جليسا لعلية القوم، ليس فقط لأن راتبي الشهري صار يقارب راتب وكيل وزارة، ولكن لأن الوظيفة جعلتني أصادق وكلاء الوزارات، وكبار الساسة، وكان «عادي جدا» أن أرفع سماعة الهاتف واتصل بمكتب وكيل وزارة، وهو فعليا نائب الوزير، فيرد علي سكرتيره/تيرته: تقول له من؟ معك جعفر عباس من السفارة البريطانية فيكون الرد: لحظة يا أستاذ أحولك عليه. أو: سيادته مش موجود وأول ما يرجع حيكلمك. وبالفعل يرجع سيادته ويكلمني بكل أدب.
ورغم أن السودان كان مستعمرة بريطانية إلا أن السودانيين بصفة عامة لم يكونوا يكنون مشاعر عدائية تجاه بريطانيا، بالعكس لم يكن السودانيون يثقون في اي شيء مصنوع في غير بريطانيا ويفسر هذا لماذا ما يزال السودانيون لا يدخنون من السجائر المستورد سوى بنسون آند هيدجز ومعجون الأسنان المفضل لديهم هو سيجنال أو كولجيت، و90% من سيارات التاكسي ذوات الاحتياجات الخاصة في شوارع الخرطوم اليوم إنجليزية، ماركة هيلمان، وفي فترة حكم نميري كانت سيارات الهيلمان هنتر ماركة مسجلة لكبار العاملين في جهاز الأمن، في المدارس كانت المساطر واقلام الرصاص وأدوات الهندسة كلها «ميد إن إنجلند»، ولهذا لم يكن غريبا ان تكون لكبار المسؤولين في جهاز الدولة علاقات حميمة مع السفارة البريطانية، بينما معاداة أمريكا شيء في جينات كل سوداني، بل ربما كان كثير من السودانيين يكره أمريكا أكثر من كرهه لإسرائيل.
وما وطد علاقتي بكبار المسؤولين في الدولة هو ان السفارة كانت تقيم حفلات عديدة: عيد جلوس الملكة، عيد شفاء الأمير تشارلس، حفل ختان كلب الملكة، عيد نجاح الأميرة آن في امتحان التوفل، وذكرى انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية (وكثير من السودانيين لا يعرفون أن الجنود السودانيين حاربوا في صف الحلفاء في اريتريا والصحراء الكبرى)، وفي تلك الحفلات كان الويسكي الأصلي يجري أنهارا والجماعة يغرفون منه بالكوز، وكنت ومعي رئيسي المباشر أنور (أحمد) توفيق شقيق الوزير السابق الأشهر محمد توفيق شيخ ظرفاء السودان ملزمين بحضور كل حفل، وكان يؤلمنا أن نرى شخصيات عامة ذات مكانة أدبية وسياسية وتنفيذية رفيعة وقد أصيبت بشلل جزئي في اللسان: يا اشتاش شعفر أنت أهلاك من ووو وين (يا استاذ جعفر من اي ناحية في البلد أهلك)، فأقول له: جزيرة بدين، فيرد: شزيرة بدين دي موجودة في الأطلش؟
ولكن علاقاتي بالكبار في دست الحكم في الخرطوم لم تكن تقتصر على الحفلات بل أيضا بترتيب الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدن، والمناقصات والعطاءات وتزويدهم بنسخ مجانية من الصحف والمجلات البريطانية، وكانت أثقل مهمة على قلبي الترويج لزيارة للأميرة آن للسودان، فلم أكن أعرف لها ولا أعرف اليوم لها أهمية خاصة، بل إن وجود ملكة في بريطانيا لا تحل ولا تربط، كان عندي دليل غباء البريطانيين، ثم أدركت لاحقا أن للعرش في بريطانيا قيمة معنوية وسياحية، والغريب في الأمر أن الأميرة آن صارت في نظري أكثر أعضاء الأسرة الحاكمة في بلادها استحقاقا للاحترام لأنها لا تحب الأضواء، وتنشط فقط في مجل العمل الخيري.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]
أبو الجعافر أنت تستحق الإحترام والتقدير !!! لك ولأُسرتك تحياتي أُسرتي !!!!!
محمد المحسي !!!!