تراجيديا الحياة (1)
#لحظة صدق كان يدين بها.. لها.. كثيراً ما حاول أن يصل لتلك اللحظة، ولكنه كان في كل مرة يجبن ويتراجع! وفي الطريق أميال طويييييلة تفصل الإنسان عن السمو وقهر الذات والتوحد مع الحقيقة للانتصار على النفس الأمارة بالسوء.
هو.. مخلوق محب لنفسه, يتشرنق داخل جلده ولا يستطيع أن يثقب الجدار ويفلت من داخله ليصبح فراشةً ملونة, فهو لا يريد أن يحترق أبداً – في وهج الآخرين.. لم يكذب عليها يوماً.. ولكنه أخفى الكثير من الحقائق (إخفاء الحقيقة هو الوجه الآخر للكذب).. ضيع فرصة الاعتراف في بادئ الأمر.. حين كانا لا يزالان على الشاطئ ولم تبتل أقدامهما بعد بالوله ولم يجرفهما التيار نحو لجّة الاعتياد والأحلام المشتركة والمحبة المتبادلة.
#كان يخشى لو صارحها بحقيقة واقعه أن تهرب فيفقدها! هكذا برر الأمر لنفسه، فآثر الصمت حرصاً على مصالحه العاطفية لديها.
“ماذا تريد؟” هكذا سأل نفسه مراراً وأعياه الجواب.. لماذا كل هذا العذاب.. ما بين ضميرك وخوفك من المجهول؟ لماذا لا تفتح بابك أمامها وتسمح لها بأن تكتشفك بحرية ووضوح؟
أطل داخل أعماقه يوماً في لحظة تجرد فهاله ما رأى! الأنانية.. وشهوة التملك.. والغرور.. واللا مسؤولية.. والاستخفاف بمشاعر الآخرين وحقوقهم! إنه يريد كل شيء لنفسه.. أن ترتبط هي به جداً بينما يظل هو حراً.. أن يخفي عنها الحقائق ويظل وحده المدرك لكل شيء.. كل ما بداخله لا يعدو كونه ضعفاً وعجزاً وانهزاماً.. فشل دائماً في امتلاك زمام المبادرة واتخاذ القرار المناسب في اللحظة المناسبة.. فشل في التقدم خطوة واحدة نحو ما يراه الحق والصواب.
# تأخر طويلاً في التعرف على ضميره وإنسانيته.. وحين بلغ ذروة شجاعته كانت حافة الأمان قد أفلتت.. هي الآن مرهونة له.. تدور في فلكه، وقد أحرقت وراءها كل السفن وضلت كل الدروب وقاتلت لأجل عينيه كل طواحين الهواء وفقدت الكثير. ولا ريب إذا واجهها بالأمر أن حياتها ستتحطم.. وتذروها رياح الغدر والإحباط.. قد تكون جريمة بمعنى الكلمة أن تكتشف بعد كل هذه السنوات زيفه وهويته الضائعة.. هي قطعاً لا تستحق ما قد يصاحب ذلك من ألم.. تلك الوديعة المسالمة التي اقتحم حياتها عنوة.. وسعى لها عنوة.. وسرقها حتى من نفسها.
كانت أكثر براءةً وأقل تجربةً من مجرد التفكير في كونه كاذباً متلوناً أخفى حقيقة وضعه الاجتماعي ونوع دراسته الجامعية وحتى عنوانه والكثير من تفاصيل حياته المهمة!
#(الموقف صعب).. هو يعلم.. ولكن لم يعد هناك مفر.. لا بد من الإقدام.. فقد بدأت والدتها تلح عليها في التعرف عليه.
والتقاها في الموعد المعتاد في ذات المكان.. كان قد أخطرها بأنه سيفصح اليوم عن أمرٍ خطير.. ظلت تنظر إليه وعيناها وادعتان.. وعيناه تطرفان بسرعة بتوجس خفي من فرط الارتباك والحيرة والقلق.. يسكنه خوف داكن ورهيب.. فاذا ضاعت منه لن يجد أبداً امرأة أخرى تنضح بذات الطيبة والحنان والاحترام.. هي لا تشبه إلا نفسها في جمالها الداخلي ورهافة حسها وفهمها للحب.
ظل صامتاً يتجنب النظر إلى عينيها.. وفجأة – بعد صمتٍ ثقيل أتاه صوتها هامساً: “أنا أعرف ما تود قوله”.. أجفل كمن تلقى ضربةً عنيفة من حيث لا يحتسب.. أهي تعرف حقاً؟ يا لسخرية القدر.. لا لا لا.. ربما تشير لأمرٍ آخر.. ولكنها عادت لتردد: “كل ما أخفيته من معلومات أنا أعلمه”.. وهو الذي أعيته المراوغة وأحرق التلون أعصابه.. هاهو الآن يغرق في خجله وحرجه.. قال بصوت متحشرج: “ولماذا استمر بنا الطريق إذن؟.. ضحكت وهمست: “أحببتك.. والمحب لا يصدق إلا ما يتمناه.. التمست لك عشرات الأعذار واقتنعت بوجاهة أسبابك.. وحين قرأت في عينيك مؤخراً قرارك الحاسم بالتصريح.. تفاءلت.. فهذا موضع جديد لخطوة نحو الأمام”.. خطوه نحو الأمام؟! أدهشه منطقها المتسامح ورؤيتها الإيجابية البسيطة لهذا الخطأ الفادح.. أشاح متسائلاً: هل كان حقاً يرغب في هذا التسامح؟.. هل فرح بهذا الصفح؟.. ما جدوى أن تسامحه وقد نهض بينهما هذا ذلك الجدار السميك من الريبة والشك؟.. لقد تفجر بأعماقه إحساس مرير بالغضب والدونية والانكسار.. فكيف يعلو البناء وقد كان أساسه منخوراً؟ وهل يستحق هو كل تلك المشاعر النبيلة؟ لأول مرة يعترف لنفسه.. “لا”.
#تلويح:
هكذا حال الرجال.. يرتكبون الجرائم ثم..!
[/JUSTIFY]إندياح – صحيفة اليوم التالي